الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

حكم العامي الصرف وعلماء المخالفين:

صفحة 299 - الجزء 1

  ربي واحد لا ثاني له في الجلال، متفرد بصفات الكمال) والخلافُ في ذلك مع الثنوية والنصارى والصابئين، وأُلزمت المجبرة أن لا يكون تعالى واحدًا.

  أَمَّا الثنوية فَهم الذين يقولون بِأن فاعلَ العالم ومَا فيه من الخير والشر اثْنَانِ، كالمجوس يعبرون عن الباري تعالى بـ «يزدان»، وقالوا: كلُّ خيرٍ واقعٌ منه بالطبع لا بِالإرادة والاختيار، ويَعنونُ بالخير: الأمورَ الملائمة كالفواكهِ والملاذِ والصورِ المستحسنة والمحبوبةِ، ويعبرون عن الثاني بـ «إهرمن»، وهو الشيطان عندهم، وقالوا: كلُّ شر واقعٌ منه بالطبع لا بالإرادة والاختيار، وَيعنونُ بالشر: الأمورَ المنافرة كالسمومِ والمضارِ والصّورِ المستكرهةِ والقاذوراتِ ونحوها، قالوا: و «يزدان» مَمدوحٌ على ما فعل ومحمودٌ على ذلك وإن كان بطبعه، و «إهرمن» مذمومٌ على ما فَعل وإن كان بطبعه، وكلُّ واحد منهما لا يقدر على تَركِ ما فعلَه ولا على فِعلِ العكس منه، ثم اختلفوا فِيهِما بِالنّسبَةِ إلى القِدَم والحدوث، فَأكثرُهم: أنهما قديمان معاً، وقال بعضهم: بل «إهرمن» حَدث مِن «يزدان»، فقيل: مِن فكرةٍ ردية حَدَثَتْ معه، وذلك أَنَّه تفكَّر في نفسه وقال: لو كان لِي منازع كيف كان الحال؟ فَحدَثَ الشيطانُ مِن تلك الفكرة، وقال: ها أنا منازعٌ، فاقتتلا وجرتَ بينهما وقائعُ، ثم اصطلحا على المهادنةِ وشروطٍ ستنقضي ويَغلِبُ يزدانُ، قالوا: ونحن الآن في مدة الهدنة. ومنهم مَن قال: حَدَثَ مِن عفونات الأرضِ. وكأهل النور والظلمة قالوا: كلُّ خيرٍ فمن النور، وكلُّ شرٍ فمن الظلمة، على نحو قول المجوسَ في «إهرمن ويزدان». وقيل: إن المجوسَ يجعلون «يزدان» هو النور و «إهرمن» هو الظلمة، وإِنّ العالم ممتزج من النور والظلمة، وإنهما غير متناهيين إِلا من جهة التلاقي. ثم اختلفوا، فقالت المانوية: هما قديمان قادران عالمان حيان. وقالت الطيسانية بذلك في النور فقط، وأمَّا الظلمة فَعاجِزةٌ جاهلة موات. وقالت المزدكية: النور يفعل بِالقصد والإرادة، والظلمة بالخبط. وأثبتت المرقيونية ثالثاً امتزج العالم منه ومن الظلمة، قالوا: فَلمَّا رَأى النورُ