الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى

صفحة 300 - الجزء 1

  تعدي الظلمة إلى هذا المتوسط بعث إلى هذا العَالَمِ الممتزج روحاً وهو ابنه عيسى. ومَرقيون هذا لَحق بعض أصحاب عيسى وأخذ عنه.

  وأمَّا النصارى فَأثبتوا ثلاثةً كَمَا حَكَى الله عنهم ذلك بقوله: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}⁣[ٍالمائدة ٧٣]، قَال أهلُ المقالات في تفصيل قولهم بالتثليث: إِنهم اتَّفقوا على أنَّ اللهَ جوهرٌ واحدٌ وهو ثلاثةُ أقانيم: أقنوم الأب، وهو الذات المقدسة، وقيل: الوجود. وهو متقاربٌ؛ لأن الوجود عندهم هو الذات كما يقوله أصحابنا الذين يَنفون كونَ الوجودِ صفةً زائدة على ذات الموجودِ، وقد مَرَّ أنه الصحيحُ مِن تلك المسألة. وأقنوم الابن، وهو الكلمة، وقيل: العلم. وأقنوم روح القدس، وهو الحياة. واتفقوا على أنه لم يزل الأبُ أَباً والابْنُ ابناً، ورُوحُ القُدُسِ فائضة بينهما لم تزل كذلك.

  قلتُ: هذا حَكاه أَهْلُ المقالات فِي كيفية تفصيل التثليث، وَيُعلَمُ منه أَنَّهم يقولون بقدم الكلمة أو العلم، وقدم الحياة حيث قالوا: لم يزل الابن ابناً الخ، ومنه يُعلمُ صحةُ ما قَالَه الإِمامُ يحيى بنُ حمزة # وغيره من الأصحاب في الكلام الذي مر في مسألة نفي المعاني القديمة التي أثبتها الأشعرية وغيرهم من فرق المجبرة: إنهم يعنون بتلك المعاني ما عنته النصارى بتلك الأقانيم، ولعل أن معنى الأقنوم: الأصلُ الثابت وجوده في الأزل، ولكن ظاهر الآي القرآنية فيما حكاه الله عنهم أَنَّ التثليث الذي قالت به النصارى هو بِاعتبار ذات الباري تعالى وعيسى ومريم @، حيث يقول سبحانه: {وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ}⁣[التوبة ٣٠]، وقال: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ}⁣[المائدة ١٧]، وقال: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ الله}⁣[المائدة ١١٦]، وحينئذ فلا يَتحَقَّقُ اتحادُ القولِ بين النصارى والمجبرة.

  فَإِن قلتَ: فكيف تَصنعُ بِنقل أهل المقالاتِ في كيفية التثليث إِذا حملتَه على هذا الوجه المأخوذِ من ظاهرِ الآي، بل صرائحُها قاضيةٌ به، مع أن ذلك النقلَ لا