الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى

صفحة 301 - الجزء 1

  منازعَ لهم فيه، وإجماعُ أهل كل فن حجةٌ فيما أجمعوا عليه؟

  قلتُ: أمَّا كونهم أجمعوا عليه فَلم يُنقل في ذلك إجماعٌ وإن لم يوجد منازع، لكن إِذاَ قدرنا صحةَ ما نَقلَه أهلُ المقالات سيما وفيهم مِن أئمة الهدى مَن لا يَسعُنا ردُّ ما نقله على غيرِ علمٍ منا ببطلانه - فهو لا يمتنع صحته مع صحة ما قضت به تلك الآياتُ الكريمة من كيفية التثليث المقطوع بصحته عن النصارى على الجملة بقوله تعالى: {لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ}؛ لأنه لا تنافي بين أن تقول النصارى بالتثليث باعتبار الجهتين المذكورتين، فَقالوا به باعتبار إِثبات ذات الباري تعالى وإثبات الكلمة أو العلم وإثبات الحياة، ثم قالوا به ثانياً باعتبار إثبات الباري تعالى، ثم ادَّعوا مع ذلك إِلهية عيسى ومريم @.

  وأما الصابئون فزعموا بعد تسليمهم أن للعالَمِ صانعاً واحداً أَنَّه خَلَقَ الأفلاكَ حية قادرة عالمة وجَعلَها آلهة؛ فَعبدوها وعظموها وسموها الملائكة، وجعلوا بيوت العبادات بعده السبعة الأفلاك.

  وأمّا إلزام المجبرة فَقد ظهر مما مر حسبما نقله أهل المقالات عن النصارى، فَيلزمهم أن لا يكون تعالى واحداً بل ثالث ثلاثة، بل سابع سبعة أو ثامن ثمانية، حيث أثبتوا الكلامَ المعبر عنه عند النصارى بالكلمة، وأثبتوا العلم والقدرة والحياة المعبر عنها عند النصارى بِرُوح القدس، وَأثبتوا الإرادة والكراهَةَ، فهذه ستة معان اتَّفقت عليها جميعُ المجبرة، ومنهم من زاد الوجود وجَعلَه صفةً زائدة على ذات الباري تعالى، واتفقوا على قدمها مع الله تعالى، فكان بهذه المثابة سابع سبعة أو ثامن ثمانية، سيما مع جعلهم كلَّ واحدة من هذه الستة أو السبعة معنىً ليس هو الآخر، فيتحقق التعداد حينئذ، لكنهم يفرون عن هذا بأن يقولوا: ولا غيره. ويُحكى عن النصارى أنهم يقولون في تلك الأقانيم: إنَّها ليست بمستقلة بنفسها، ولا يصح انفراد بعضها عن بعض، وهو بنفسه عين مذهب المجبرة في تلك المعاني، قال القرشي ¦ في المنهاج ما لفظه: يزيده وضوحاً أنه لم يقل أحد من الناس: إن لله