[فصل] في الكلام أن الله واحد وأنه لا إله إلا هو سبحانه وتعالى
  تعالى ثانياً يشاركه في جميع الصفات(١)، وإنما يقولون بالمشاركة في كونهما واجبي الوجود، والمجبرة إِمَّا أن يجعلوا هذه المعاني جائزةَ الوجود فيلزم حدوثُها؛ لأن هذا هو دليلهم على حدوث العالم، وإِمَّا أن يجعلوها واجبةَ الوجود من ذاتها وهو مذهب الثنوية، وإِمَّا أن يجعلوها واجبةَ الوجود مِن غيرِها وهو مذهب الفلاسفة في العقول والأفلاك. قالَ ¦: ومَتى قيل: إِن الثنوية اعتقدوا استحقاق الثاني للعبادة قلنا: ليس كذلك(٢)، فإن المجوس لا يعبدون إِهرمن، وكذلك سائر الثنوية لا يعبدون الظلمة، وكذلك الفلاسفة لا يقولون باستحقاق العقول والأفلاك للعبادة، وإِنما عِيب عليهم القولُ بقدمِها، إلى أن قال ¦: وبعد، فلم يذمهم الله تعالى على مجرد القول باستحقاق العبادة، ألا ترى إلى قوله تعالى: {قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ}[يونس ٦٨]، فَبين أن هذه المقالةَ تقتضي جوازَ الحاجة عليه تعالى، وهذا لازم للمجبرة كما سلف. انتهى كلامه، والمسك ختامه.
  قلت: ويزداد الإلزامُ للمجبرة في نقضِ التوحيدِ اتضاحاً، ويكشف عن وجه معتقدهم الباطل افتضاحاً، وينشق الحق الذي عليه أئمتنا $ وموافقوهم في نفي هذه المعاني القديمة إِصباحاً - بأن يقال: هذه المعاني إِمَّا أن تُنْفَى ماهياتها الحقيقية عن ذات الله تعالى ويثبت له النتيجة المقصودة من إثبات تلك المعاني - وهو أنه تعالى قادر لا يعجزه شيء، وعالم لا يخفى عليه شيء، وحي دائم لا يموت، ولم يزل ولا يزول عن ذلك الاتصاف - فهذا هو مذهب أئمتنا $ وأتباعِهم الزيدية والمعتزلة جميعاً، وهو الحق الذي لا يعتريه ريب، غير أنّ مِنْ أئمتِنا $ وممن وافقهم مَن يَجعل الاتصاف بتلك النتيجة - أي: كونه لا يعجزه شيء، وكونه لا يخفى عليه شيء، وحي دائم - أَمُوْراً ومزايا وصفات، ثم قالوا: لا توصف؛ إِذ لا توصف عندهم إلا الذوات كما مر تحقيق أقوالهم وترجيح ما
(١) في الأصل: «في جميع المشاركة». والمثبت من منهاج القرشي.
(٢) يعني: كلهم.