في إدراك العقل حسن الشيء أو قبحه:
  وحسنهما على التكليف أو على وجود الفعل من العبد بالاختيار توقف العلة والمعلول والمقتضِي والمقتضَى، ولأن كلا منهما صفة توجب صفة أخرى لمتصف واحد، كالتأليف في الجسم علة لصحة انقسامه، وكالجوهرية فيه مقتضية لتحيزه، ولا يصح أن يكون الجميع من توقف المسبب على السبب؛ لأن فاعل السبب فاعل المسبب، فيتناول أن فاعل التكليف فاعل الإرسال والمجازاة، وهو الله تعالى، وذلك مسلم، ولكنه لا يتناول أن كون العبد فاعلاً لفعله سبب فيهما(١)؛ لما علمت أن شرط التسبيب اتحاد الفاعل؛ فلم يبق إلا أن كون العبد فاعلاً لفعله داع إلى فعلهما، وشرط في حسنهما؛ أما كونه داع إلى فعلهما فلأن فعلهما وجه حكمة متفرع على كون العبد فاعلاً لفعله، وأما كونه شرطاً في حسنهما فلأنا نعلم أن لولا كون العبد فاعلاً لفعله باختياره لما حسن الإرسالُ إليه ومجازاتُه بحسبه؛ لعلمنا ضرورة أنهما لا يحسنان فيما هو مخلوق في العبد بلا تناكر، كالطول والقصر والألوان والصحة والمرض وسائر ما هو في العبد بفعل الله تعالى، كالحياة والقدرة وخلق علوم العقل الضرورية أو عدمها فيه، ولأن حقيقة الداعي وحقيقة الشرط قد حصلتا فيه.
  أما الداعي: فلأن حقيقته: هو ما لأجله يختار العالم به فعل ما يعلم فيه أو يظن حكمة أو حصول منفعة، فالأول يقال له: داعي حكمة، والثاني: داعي حاجة، وهو لا يصح على الله، وإنما يصح عليه تعالى داعي الحكمة المعلومة له تعالى، فأما المظنونة وداعي الحاجة فخاص بالعبد.
  وأما الشرط: فلأن حقيقته: ما يتوقف صحة تأثير غيره أو صفة غيره عليه، فالأول كالقدرة والعلم والحياة؛ فإنه يتوقف تأثير غيرها - وهو العبد في أفعاله - على حصولها، والثاني كالقدرة والعلم والحياة في توقف حسن التكليف والمجازاة
(١) أي: في الإرسال والمجازاة.