في حسن الفعل أو قبحه:
  القصد له. والأكثر أن ذلك شرط لاستحقاق العقاب لا لحصول ماهية الظلم، فقد حصلت مهما كملت القيود المذكورة. قيل: واشتراطهما ذلك هو في جميع ما ذكر، وذلك بعيد عن الصحة؛ للزوم عدم قبح الكذب من الكفار الذين لا يعلمون كذبه لصدوره عن شبهة أو تَلَقٍّ من الأسلاف؛ فالأظهر أن يقال: اشترطوا العلم بقبح ذلك أو ما يقوم مقام العلم، وهو التمكن منه بالنظر الصحيح، والانقياد لمن دعا إليه، ورفض هوى النفس وتقليد الأسلاف الماضين عليه، وسواء جعلنا ذلك شرطاً في القبح أو في استحقاق الذم والعقاب، فلا يخرج من هذا إلا ما صدر من الصبي أو المجنون أو الساهي. وأما القصد فلا يسلم اشتراطه إن رجع الضمير إلى الظلم؛ لأن أكثر الظلمة يفعل الظلم غير قاصد للظلم، ويتعللون بشبه وأوهام يظنون معها أنهم غير ظالمين، وكمن ذبح غيره مريداً معرفة حد شفرته غير مريد ظلم المذبوح، فلو جعلنا قصد الظلم شرطاً لخرجت هذه عن كونها ظلماً، والمعلوم بطلانه، وإن رجع الضمير إلى نفس الفعل فلا يخرج عنه إلا الساهي، لكنه قد خرج بالقيد الأول، وهو اشتراط العلم به؛ إذ لا علم للساهي بما فعله سهواً حال فعله. وقالت البغدادية من المعتزلة: بل يقبح الفعل لعينه. ولا يخفى أنهم إن أرادوا مطلق الفعل فلا يسلم؛ للزوم قبح جميع الأفعال، وإن أرادوا الفعل الذي هو ظلم أو نحوه مما ذكر لم يظهر الفرق بينه وبين ما قبله إلا في العبارة. وقالت الإخشيدية من المعتزلة أيضاً: بل يقبح الفعل للإرادة. ويرد على هذا ما ورد على ما قبله، ويزداد بأن يقال: يعلم قبح الظلم والكذب ونحوهما من لا يعلم إرادة فاعلهما.
  وبعد، فإن الإرادة تكون قبيحة لقبح المراد، كالإرادة للزنا والقتل، فلو قبح الفعل لقبح الإرادة للزم الدور(١).
(١) قال النجري: إنما يلزمهم [أي: الدور] لو قالوا: قبح المراد لقبح الارادة، وأما حيث قالوا: =