[فصل:] في الكلام في أن الله تعالى عدل حكيم
  المشركين {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَانُ مَا عَبَدْنَاهُمْ}[الزخرف ٢٠]، وما في معناهما بمنزلة قول المنافقين: نشهد إنك لرسول الله.
  فتأمل رحمك الله تعسفهم وتلعبهم بآيات الله، وهل يستقيم هذا التأويل مع قوله تعالى: {هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}؟ لأنه لو كان ما قالوه صحيحاً ثابتاً في نفس الأمر، وإنما كان كذبهم من حيث لم يعتقدوه على حسب ما نطقوا به - لما صح أن يناقضهم مقتضاه، ولكان يجب أولاً أن يقرر ظاهر اللفظ ثم يكذبهم حيث لم يعتقدوه كما في آية المنافقون: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}[المنافقون ١]، فقال عز من قائل مقرراً لمقتضى اللفظ: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}[المنافقون ١]، ثم قال: {وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}، فلولا أنه وَسَّط قوله: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} لاستلزم تكذيب قولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ}، فكذلك كان يجب مثل ذلك في آيات المشيئة، وكيف يصح هذا التأويل العجيب وقد قال تعالى بعد قولهم: {لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ} فقال: {مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ ٢٠ أَمْ آتَيْنَاهُمْ كِتَابًا مِنْ قَبْلِهِ فَهُمْ بِهِ مُسْتَمْسِكُونَ ٢١}[الزخرف] في زعمهم أن الله شاء أن يعبدوا الأصنام؟ فذرهم وما يفترون ودعهم في ضلالهم يمترون، ويقال لهم: قد حكى الله عن المشركين أنهم قالوا: {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا قُلْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ}[الأعراف ٢٨]، إذا كان الله قد تنزه عن الأمر بالفحشاء فهو أن يتنزه عن فعلها أولى وأَحْرَى؛ لأن فاعل القبيح أدخل في استحقاق الذم والعقاب من الآمر به، ولذلك يقال: ليس على الآمر مع وجود المباشر، ويقال لهم: قال تعالى: {فَأَمَّا مَنْ طَغَى ٣٧ وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ٣٨ فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى ٣٩ وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنْ الْهَوَى ٤٠ فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى ٤١}[النازعات]، وقال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ١٠ وَقَدْ خَابَ مَنْ