الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 363 - الجزء 1

  وذهبت المجبرة إلى أنها من الله تعالى، الصلاح منها والفساد. وإليه أشار # بقوله: لا يقول ذلك إلا أهل الكفر والعناد. وفيه تكفير المجبرة، وفي ذلك خلاف بين أصحابنا، وسيأتي الكلام عليه في فصل الإكفار إن شاء الله تعالى.

  واختلفت المجبرة في ذات بينهم، فقال قدماؤهم وهم الجهمية أصحاب جهم بن صفوان: هي من الله تعالى أصليها ومتولدها، وليس للعبد فيها كسب، وإنما العباد لها كالظروف، وإضافتها إليهم كإضافة صورهم وألوانهم، فقام وقعد وصلى كطال ومات وابيض.

  وقال ضرار بن عمرو: جميعها من الله تعالى، والعبد كسبها.

  وقال الأشعري أبو الحسن علي بن أبي بشر ينتهي نسبه إلى أبي موسى الأشعري: بمثل قول ضرار في الأصلي، وبمثل قول جهم في المتولد.

  وقال مدعو التحقيق منهم كالقاضي أبي بكر الباقلاني والرازي وابن الحاجب والسيوطي وهو قول الجمهور منهم: إن الله تعالى خلق للعباد قدرة موجبة للفعل، وللعبد منه كسب، فالفعل خلقه الله تعالى بواسطة القدرة الموجبة له واكتسبه العبد لما كان له فيه الاختيار؛ وذلك منهم لما رأوا الفرق الضروري بين حركة المرتعش وحركة الباطش أن الأولى غير واقفة على الاختيار دون الثانية فهي واقفة على الاختيار.

  وحكي عن بعض متأخريهم أن الفعل جميعه للعبد، وأن الله تعالى لم يخلقه فيه، ولا أوجبته القدرة التي خلقها الله له عليه، ولكن خلق فيه شهوة وداعيًا موجبًا للفعل لا يقدر العبد معه على الترك.

  فهذا حاصل الخلاف بينهم.

  قال القرشي ¦ بعد ما حكى ما عدا آخرها: والأقرب أن هذه الأقوال ترجع إلى قول جهم في التحقيق؛ لأن أهل الكسب لابد أن يجعلوا العباد