[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  كالظروف لها في الحدوث، فأما الكسب فهو إما ألاَّ يكون فعلاً فذكره هنا بطالة وهذيان؛ لأن كلامنا في الأفعال، وأما أن يكون فعلاً فهو: إما أن ينفرد الله به فهو قول جهم، وإما أن ينفرد العبد به بلا كسب خرجوا من مذهبهم، أو مع كسب آخر تسلسل إلى ما لا ينتهي؛ لأن كل كسب يحتاج إلى كسب. وكذلك المثبتون للقدرة الموجبة لابد أن يجعلوا العباد كالظروف لأفعالهم؛ لأنه لا اختيار لهم في السبب ولا في المسبب(١) ويصير الحال فيه كالحال في الشجرة التي يوجد الله فيها اعتماداً يوجب الحركة، فإن ذلك لا يخرج الشجرة عن كونها ظرفاً للحركة الموجبة عن الاعتماد، فظهر لك أن المجبرة كلهم جهمية، انتهى كلامه ¦ مع زيادة بعض الألفاظ للإيضاح.
  قلت: وقوله |: «لأنه لا اختيار لهم في السبب والمسبب» فيه نظر؛ لأن الاختيار ثابت بتسليمهم فيما أوجبته القدرة بزعمهم، إلا أن يريد به أنه يلزم ذلك حيث إن القدرة موجبة للفعل المسبب عنها وليس لهم فيها اختيار؛ فإذاً لا اختيار لهم في الفعل لوجوبه عنها - استقام، ولعله لا يريد غير ذلك. وتمثيله بالحركة المتولدة عن الاعتماد الذي خلقه الله في الشجرة فيه نظر أيضاً؛ إذ لا نعلم أن في الشجرة اعتمادًا سوى الحركة، فالأظهر في المثال التمثيل بالحركة في الشجرة المتولدة عن إرسال الريح ليظهر الفرق بين السبب والمسبب، والله أعلم.
  نعم، واختلف الأصحاب هل كون أفعال العباد منهم معلوم بالضرورة أو بالاستدلال؟ فذهب الجمهور أن ذلك إنما يعلم بالاستدلالِ وتقريرِ الأدلة عليه، وإنما المعلوم ضرورة نسبتها إليهم على الجملة من دون تفصيل هل الفعل واقع
(١) قوله: «لأنه لا اختيار لهم في السبب ولا في المسبب» أراد بالسبب القدرة؛ لأنها إذا كانت موجبة فهي سبب؛ إذ حقيقة السبب حاصلة فيها، وهي كل ذات توجب ذاتاً أخرى، وإذا كانت سبباً فلا اختيار لنا فيها؛ لأنها من فعل الله تعالى، ولا فيما هو مسبب عنها؛ إذ هو صادر على سبيل الإيجاب وغير واقف على الاختيار لا هو ولا سببه. (من المعراج على المنهاج للإمام عز الدين).