الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 367 - الجزء 1

  يستثنى نقيض المقدم فالناتج نقيض⁣(⁣١) التالي، فيصير الكلام: لكنها ليست من الله فيصح الأمر بها، أو يستثنى نقيض التالي فالناتج نقيض المقدم، فيصير الكلام: لكنه صح الأمر بها فلم تكن من الله تعالى، وهذان الاعتباران صحيحان؛ لأن نتيجة الأول واستثنائِية الثاني مجمع عليهما، وهو أنه صح الأمر والنهي عن أفعال العباد، وإما أن يستثنى عين المقدم فالناتج عين التالي، فيصير الكلام: لكنها من الله فلم يصح الأمر والنهي عنها، أو يستثني عين المؤخر⁣(⁣٢) فالناتج عين المقدم، فيصير الكلام: لكنه لم يصح الأمر والنهي عنها فكانت من الله، وهذان الاعتباران فاسدان؛ لأن نتيجة الأول واستثنائِية الثاني مجمع على بطلانهما؛ إذ لا قائل من الأمة إنه لم يصح الأمر والنهي عن أفعال العباد، فثبت بهذا أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى؛ لإجماع الأمة على صحة الأمر والنهي عنها، وبطلان كونها من الله تعالى؛ لإجماعهم بل وجميع العقلاء على بطلان القول بمنع الأمر والنهي عنها الذي هو لازم لخلق الأفعال، وهذا واضح كما ترى. وهذا الدليل الذي ذكره # من أعظم الأدلة على أن أفعال العباد ليست من الله تعالى.

  ومثله ما ذكره # - وهو الدليل الثاني - بقوله: (ولأنه يحصل الفعل بحسب قَصْدِ الإنسان وداعيه، وينتفي بحسب كراهته وصَارفه) ولا يختلف ذلك (على طريقة واحدة) فلو لم تكن أفعال الإنسان منه لما وجبت فيها هذه القضية واطردت مهما كان الفعل من مقدوراته، وهذا الدليل مبني على أصلين أيضاً:

  أحدهما: أن الفعل يحصل بحسب قصد الإنسان وداعيه، وينتفي بحسب كراهته وصارفه.


(١) عند المناطقة أن استثناء نقيض المقدم لا ينتج شيئاً لأن انتقاء الملزوم لا يستدعي صدق لازمه ولا انتفاءه.

(٢) عند المناطقة أن استثناء عين التالي لا ينتج شيئاً؛ لأن صدق اللازم لا يقتضي صدق الملزوم ولا انتفاءه؛ لجواز أن يكون اللازم أعم.