[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  والثاني: أنه لو لم يكن منه لما وجبت فيه هذه القضية.
  أما الأصل الأول: فهو معلوم بالضرورة؛ من حيث إن أحدنا متى أراد الانصراف إلى حاجة مما يتعلق بمصالحه ومنافعه وأخذ في الفعل الذي هو مظنة حصولها حصل منه ذلك الفعل لا محالة، قضيت أو لم تقض، نحو طحن الحب وعجنه وخبزه وتناوله للأكل، ونحو نقل الماء وإحرازه إلى الإناء وتناوله للشرب، وحراثة الأرض، والسفر إلى الأقطار لطلب الزراعة وربح التجارة، سواء حصلت بعد ذلك العين المطلوبة وهي الغلة والربح أو لم تحصل؛ لأنها أعيان وأجرام لا يقدر على إيجادها العبد، وإنما يقدر على ما هو كالسبب في حصولها وهو الحراثة والسفر وعقد الشراء والبيع ونحو ذلك.
  إن قيل: وما يدريكم أن هذه الأفعال يخلقها الله فيكم عند أن تقصدونها وتريدون فعلها؟.
  قلنا: لو كانت من فعل الله تعالى وخلقه فينا لكانت تختلف الحال فيها، فكانت تحصل في بعض الأحوال عند الاَّ نقصدها، وتمتنع في بعض الأحوال عند أن نقصد فعلها، والمعلوم ببديهة العقل أن الصحيح البدن متى أراد القيام والمشي وأخذ في فعلهما حصلا لا محالة، ومتى لم يردهما لم يحصل شيء منهما البتة، ولو كانت بخلق الله تعالى لكانت بمثابة حصول الغلة وربح التجارة: تارة يحصلان بعد وجود ما هو كالسبب لهما، وتارة يتخلفان.
  وبعد، فهذا يؤدي إلى رفع الثقة بالمعاملات؛ لأنه يقتضي أن الأفعال الظاهرة من الإنسان من عقود البيع والنكاح والطلاق ليست واقعة منه؛ فلا يلزمه حكمها، ويؤدي إلى أن شهادة الشاهد عليه زور وحكم الحاكم عليه المستند إلى الشهادة أو إقراره باطل؛ لأنه حكم مبني على شهادة زائرة أو إقرار بمستحيلٍ عليه معلومٍ وقوعه من غيره، وأن الزاني والقاتل وغاصب المتاع إذا حلف ما