[شبه الجاحظ ومن معه والجواب عليها]
  وقلنا: «أو لما هو عليه في ذاته» نريد به تزايده ونقصانه بالنظر إلى ذاته، وقلنا: «مع تكامل شروطه» وهي صلاحية المحل للفعل المتولد كالصلابة والثقل في الحجر؛ ولهذا لا يقع مثل ذهابه في الهواء لو رمى بقطعة قطن ونحوه؛ لاختلال ذلك الشرط، بل يقع بقدر ما فيها من الثقل والصلابة حتى لو بلغ حصره إلى قدر الشعرة والشعرتين ونحوهما لتعذر الرمي بذلك، ومن الشروط أن يوجد من القدرة في بدن الرامي ومن الاعتماد واندفاع اليد في الهواء على حسب الشدة والسرعة ما يكون منه من الذهاب على قدر المسافة التي أراد الرامي وصول المرمي به إليها؛ ولهذا يتعذر الرمي بالحجارة نحو الميل فما فوقه في العادة، وتتعذر إصابة المحل المقصود بالمرمي مهما وجد من الاندفاع والاعتماد أكثر مما يلزم أو أقل، وتجد الرامي الماهر يوقع من ذلك الاعتماد والاندفاع ما لا يخطي معه المحل المقصود غالباً، فهذا جواب شبهتهم المذكورة.
  وبهذا يظهر لك أن وجود المتولد وكثرته وقلته وتخصيصه بجهة دون جهة ووقت دون وقت، كل ذلك - قبل إيقاع سببه المتولد عنه - واقف على اختيار العبد وقصده وداعيه، وأن استمرار عدم وجوده واقف كذلك على كراهته وصارفه، ويتعلق به الأمر والنهي والمدح والذم والثواب والعقاب وسائر الأدلة الدالة على أصل المسألة؛ فثبت أن المتولد من فعل العبد فعله، ويلزمهم على إنكارهم ذلك ألا يكون القاتل قاتلاً ولا السارق سارقاً؛ لأن هذه الأفعال ونحوها لا تحصل إلا متولدة عن الاعتمادات والحركات الصادرة من الإنسان؛ فتبطل الحجة لله سبحانه وتعالى في قوله: {فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ}[البقرة ٩١].
  قال الإِمام يحيى #: واعلم أنه لا عجب من المجبرة في هذا القول بأن هذه الأفعال المتولدة من فعل الله تعالى مع قولهم بالجبر والتزامهم له، وإنما العجب من هؤلاء الجماهير من المعتزلة مع اعتزائهم إلى الفئة العدلية، واعترافهم بالاختيار،