الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 387 - الجزء 1

  وكونهم خصماء للمجبرة في كل مقام - كيف قالوا بهذه المقالة، ووقعوا في عميقات هذه الجهالة، وكرعوا من آجن هذه الضلالة! ذكره عنه في شرح الأساس.

  الثاني: قالت العدلية: تَصَرُّفُ⁣(⁣١) الساهي والنائم فِعْلُهُ⁣(⁣٢)، والخلاف فيه لأهل الجبر، فهو عندهم من الله تعالى بلا كسب.

  لنا: وقوعُه على حسب قدرة العبد في القلة والكثرة؛ بدليل أنه لا يحصلُ منه في حال السهو والنوم مَا لا يقدر عليه في حال اليقظة والتمييز، ذكره في القلائد وشرحها.

  قلت: ولأنه لم يكن معلومٌ لنا مَن هو أولى بإسناد الفعل الصادر منهما إليه من فاعل آخر يُشار إليه؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون من فعلهما أو فعل غيرهما، والغير إما الله أو أحد الجن أو أحد الملائكة أو إنسان آخر، وأيُّمَا قيل به من الثلاثة التقادير الأخيرة لَزمَ دليلُه، وإلاَّ كان إثباتَ ما لا طريق له، ومن المعلوم أَنه لا دليل على أيها، فلم يَبْقَ إِلاَّ أنه مِن فعلهما؛ لاختصاصه بهما، ولأنه يشتق لهما اسم فاعل، فيقال فيهما: متحرك أو ساكن ونحو ذلك.

  الثالث: أن الأمرَ من الله تعالى للعباد بالطاعات ونهيهم عن المعاصي لا يبلغ بحالهم إلى الإلجاء والقسر على الفعل المطلوب منهم أن يفعلوه، ولا على الترك للفعل المطلوب أن يتركوه (ولكنه تعالى أمر تخييراً ونهى تحذيراً) {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف ٢٩]، وكما قال تعالى: {اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌا}⁣[فصلت ٤٠]. ولَمَّا رأت المجبرة هذا الفرق الضروري أَرادوا أن ينفصلوا عنه بما لا محصول له ولا يعقل فَقالوا بالكسب، وأن العبد مختار لكسبها، وأن الأمر والنهي ونحوهما من المدح والذم والثواب والعقاب تتعلق به.


(١) مبتدأ.

(٢) خبر.