الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 388 - الجزء 1

  وسبيلنا معهم في هذا الموضع أن نطلب منهم حَدَّهُ⁣(⁣١)، حتى يتوجه الرد عليهم على مقتضى ما يحدونه، ثم نتبعه بإبطال الحدود التي قالوها فيه، ثم نبين أنه لا يُعقل، وأنه لا معنى للتشبث به.

  أما حَدُّهُ: فاعلم أنَّ العدلية لم يَزالوا في كل عصر يطلبونهم يحدونه حداً صحيحاً واضحاً فلَم يأتوا له بحد صحيح ولا برهان صريح، وإنما اضطربت أقوالُهم فيه اضطراب الأرشية في البئر، واختلفت اختلاف الماشية في السير، فَقال الأشعري: هو وجود الفعل بقدرة الله تعالى مقارناً لقدرة العبد، ولا تأثير لقدرة العبد فيه.

  وقال الباقلاني: المرجع بالكسب إلى صفة للفعل، وهي كونه طاعة أو معصية، فوجود السجدة مثلاً من الله تعالى، وكونه طاعة أو معصية هو من العبد.

  وقال بعضهم: هو ما وقع بقدرةٍ محدثة.

  وقال بعضهم: الكسب: هو ما حَلَّه مع القدرة عليه.

  وقال بعضهم، وهو الرازي: الكسب وجودُ الفعل من الله عند القدرة والداعي من العبد.

  وقال السعد: إنه تعيين طرفي الفعل، وصرف العبد قدرته وإرادته إليه، والله فاعل الفعل بمجرى العادة عند صرف العبد قدرتَه وإرادته إليه.

  وقال ابن الهمام: هو العزم والتصميم، وخلق الله الفعل عند ذلك بمجرى العادة. إلى غير ذلك من الأقوال المتلجلجة والآراء المختلجة.

  ويُبْطِلُ قولَ الأشعري أَنْ يقال له: إذا كان الفعل عندكم من الله، وهو بقدرة الله، فما ثمرة قدرة العبد عنده، وجعلها مقارنة ولا تأثير لها؟ فإذاً لا ثمرة في إثبات قدرة العبد أو نفيها، فقد صار الفعلُ جميعه من اللهُ، ولا يُعْلَمُ للكسب حينئذ معنىً ينصرف إليه ويعول عليه.


(١) أي: حدَّ الكسب.