[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  وعلى الأشعرية: أنها لو لم تكن صالحةً للضدين لما صح نهي المؤمن عن الكفر، وأمر الكافر بالإيمان؛ لأن كلاً منهما لا تصلح قدرته لغير ما هو فيه. ولو لم تكن متقدمةً لما صح طلب الفعل والتكليف به قبل حصوله. ولو كانت موجبة للفعل لما صح الأمر به والنهي عنه؛ لأن القدرة إذا أوجبت مقدورها أغنت الآمر عن الأمر بمقدورها؛ لحصوله بها لا محالة، ولا ثمرة للنهي عن القبيح مع خلق القدرة الموجبة له؛ لأنه موجود أو مستحيل إن لم توجد فيه القدرة.
  ويدل على إثبات القدرة وثبوت هذه الثلاثة الأحكام لها قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُون ٤٢ خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ ٤٣}[القلم]، فأخبر أنهم كانوا يدعون إلى السجود وهم مستطيعون، والحال أنه لم يحصل منهم، فدل على وجود القدرة مع عدم المقدور، وعلى أنها صالحة له ولضده، وهو الترك والاستكبار عليه، وأنها متقدمة غير موجبة له وإلا للزم حصوله. وكذلك قوله تعالى: {لَوْ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ}[التوبة ٤٢]، ووجه الاستدلال بها: أنه تعالى أخبر أنهم لكاذبون؛ لأن المرجع بهذا التكذيب إلى قوله: {لَوْ اسْتَطَعْنَا}؛ فلزم أنهم مستطيعون؛ لأنّ «لو» يصير المثبت بعدها منفياً، وذلك مقتضى قولهم، وقد كذبهم الله فيه، ويصير التقدير: بل هم مستطيعون، فلزم أن القدرة موجودة ولم يحصل الخروج؛ فدل على أنها غيرُ موجبة له، وصالحةٌ له ولضده، ومتقدمةٌ عليه. ويصح أن يرجع إلى قوله: {لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ}، فيكون المعنى: بل لا يخرجوا مع كونهم مستطيعين، وإنما يكذبون بذلك وينافقون؛ فلزم ما ذكر من الأحكام الثلاثة المذكورة.
  قوله #: (وهداهم النَجدين) يريد أن الله سبحانه وتعالى وضح لهم الطريقين: طريقة الإيمان ومآلها، وطريقة الكفر ومآلها؛ ليتبعوا هذه ويجنبوا هذه،