الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 397 - الجزء 1

  كما قال تعالى: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}⁣[البلد ١٠]. (ومَكَّنَهم في الحالَين) مكن العاصي من الطاعات والعصيان، ومكن الطائع من العصيان والطاعات، فكل بعد ذلك يختار لنفسه إما شاكراً وإما كفورا، كما قال تعالى: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ}⁣[الكهف ٢٩]، وهذا هو الحكم الثالث من أحكام الاستطاعة المذكورة، وهو أنها صالحة للضدين، ويؤيده أنها لَو لم تصلح للضدين لَأمكن أحدنا أن يمشي يمنة أميالاً وفراسخ، ولا يمكن أن يمشي يسرة شبراً واحداً؛ لأن حركة يمنة ضد حركة يسرة، والضرورة تدفعه. وقوله: «في الحالين» يعني حال فعلهم الطاعات وحال فعلهم المعاصي متمكنون من هذا وهذا (لم يمنعهم عن فعل المعاصي جَبْراً، ولا قَهَرهَم على فعل الطاعات قهراً) لمنافات ذلك مقتضى التكليف، فمَن ترك منهم المعاصي ولم يتلبس بها لم يكن ذلك لمنعٍ كان منه تعالى على سبيل الجبر والإحالة بينه وبين ما تركه من المعاصي، ومَن فعل منهم الطاعات لم يكن ذلك لقسرٍ كان منه تعالى على سبيل الجبر والإيقاع في الفعل؛ وإلا لما كان للمؤمن فضل على الكافر أصلاً، بل لا يصح أن يكون هذا مؤمن وهذا كافر.

  وَلَمَّا كان من شُبَه المجبرة في خلق الأفعال وإرادتها قولُهم: لو أراد الله الإيمان والطاعات من الكافر لكان تعالى متمنياً. والتمني على الله تعالى لا يجوز؛ لاستلزامه العجز - أَشَارَ # إلى هذه الشبهة وجوابها، وهو أنه لا يُسلم أن يكون ذلك تمنياً إلا لو لم يكن الله تعالى قادراً على إجبارهم وإكراههم على الطاعات، ومنعهم وصرفهم عن المعاصي، وهذا لا يسلم؛ لأنه (لو شاء ربك لفعل ذلك، كما قال ø: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا}⁣[يونس ٩٩] يريد مشيئة الإجبار) لهم على الفعل والترك (لا مشيئة الاختيار) منهم لفعل الطاعات وترك المعاصي، ويؤيد ذلك تمام الآية المذكورة خطاباً لرسول الله ÷ أو لكل من