[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  صلح للخطاب: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ}[يونس ٩٩]، أي: ليس كذلك، فإنك لا تقدر أن تكرههم كما يقدر الله أن يكرههم. ومثل هذه الآية قوله تعالى: {وَلَوْ شِئْنَا لَآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا}[السجدة ١٣]، ذلك و {لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}[الرعد ٣١]، وأمثالها من آيات المشيئة الدالة على أنه ø قادر على إجبارهم وإكراههم، وجعلها أهل الجبر شبهاً يتمسكون بها على اعتقادهم الفري، ومقالهم الكفري أن الله تعالى أجبرهم على الكفر وأراده منهم، وأجبر المؤمنين على الإيمان، وذلك معلوم البطلان (لأنه لو أكرههم) على ذلك (لم يكونوا مكلفين) لأن شرط التكليف التمكين من الفعل والترك {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنْ الطَّيِّبِ}[الأنفال ٣٧]، وليكون الجزاء ثواباً أو عقاباً على مقتضى الاستحقاق عن الانقياد والامتثال لفعل الطاعة مع القدرة على تركها، وعلى فعل المعصية مع القدرة على تركها (و) إِلا (لبطل الغرض ببعثة الرسل) إذ يكون إرسالهم - والحال أن الخلق مجبرين ومكرهين على الأفعال المأمورين بفعلها أو تركها - كإرسال السيد إلى عبده الذي قد قيده بالحديد المثقل عن المشي، وشَدَّ يديه وعصب على عينيه، ثم أرسل إليه رسولاً يأمره بقراءة كتاب والعمل بما فيه من الأعمال، المفتقرة من العبد إلى المشي والبطش والمزاولة باليدين، فإنه كما يُعلم بالضرورة البديهية أنَّ ذلك مستقبح من السيد؛ لدلالته على الجهل والجور المفرطين، واستلزامه السخرية بالرسول والمرسل إليه؛ ودلالته على السفاهة الكلية - كذلك يكون الحال لو أجبر الله الخلق على أفعالهم، ثم أرسل الرسل بالكتب والأمر والنهي عما خلقه فيهم، تعالى الله عما يقوله الجاهلون، وسبحانه عما يزعمه المبطلون.
  وهذا الإلزام من أعظم الإلزامات التي ألزم أصحابنا أهل الجبر، ولا يجدون عنه محيصاً، وإِنْ أرادوا التخلصَ عنه، وكابروا الضرورة، وزعموا أن ذلك يصح منه تعالى؛ لأنه تعالى غير منهي، وأن ذلك الإرسال والأمر والنهي باعتبار