الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[إلزام لأهل الكسب]

صفحة 399 - الجزء 1

  الكسب الذي توهموه، والكذب الذي يزعموه - فَإنَّ ذلك غيرُ مخلص؛ لأنه تعالى وإن كان غير منهي فأقل الأحوال أن ينزل بمنزلة العاقل العادل، لا بمنزلة السفيه الجائر الجاهل، وطلبُ كسبهم الأفعالَ قد أغنى عنه خلق الفعل وإيجاده فيهم، كسبوه أم لم يكسبوه.

[إلزام لأهل الكسب]:

  إِلزام لأهل الكسب لا يجدون عنه انفصالاً، يقال: إِذا كان الناس المخالفون لكم بين قائلٍ بأن أفعال العباد منهم، وينكركم كونها مخلوقة من الله فيهم، وهم كافة العدلية، وبين قائل بإنكار الكسب، وَيُوافقكم في خلقَ الفعل، وهم سائر الجبرية - فما الطريق لكم إلى إثبات القول بالكسب وإبطال كِلَا المذهبين المذكورين من خصومكم؟ لأنكم إن تمسكتم لإثباته بتوقف أفعالهم على اختياراتهم، وصحة الأمر والنهي والثواب والعقاب - اعترضكم العدلي بأن قال: هذا دليل أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى، وإن تمسكتم بقوله تعالى: {خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ}⁣[غافر ٦٢]، {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ}⁣[الصافات ٩٦] اعترضكم الجهمي وقال: هذا يا أخي الجبري دليلنا على خلق جميع ما يوجد فينا ويحدث من أفعالنا من كسب أو غيره، ولكني أنكركم الكسب، فبمَ تحتجون عليَّ؟ فإن رجعوا في مجادلته إلى ما أبطله عليهم به العدلي من توقف الاختيار والأمر والنهي ونحو ذلك قال لهم: هذا التخصيص للآيتين المذكورتين وإن كان تخصيص العموم جائزاً إجماعاً فليس بأن يحمل على الكسب بأولى من أن يحمل على نفس الأفعال، فإما أن نساعد العدلية على النزول والمصير إليه، ونترك القول بخلق الأفعال؛ ليصح لنا القول بالثواب والعقاب والمدح والذم المقتضى عن الضرورة بالفرق بين الاختياري والاضطراري، وإما أن نبقى على تلك الضرورة ونترك العمل بوجوب التخصيص، فنبقي الآيتين على ظاهرهما من العموم من دون تخصيص لكسب ولا غيره، فاتركوا القول بهذا الكسب، ودَعُوا التعويل على هذا الكذب؛ ليصح لكم