[إلزام لأهل الكسب]
  الجمود على ظاهر الآيات الدالة على مذهبنا نحن وأنتم في خلق الأفعال. وهذا إلزام ليس للأشعري عنه مفر، وهو قاض عليه وعلى الجهمي أنهما ممن تعامى عن الحق واستنفر وأنهما معاً ممن تطاول على العدلي وتكبر، بل على الله تعالى حيث لم ينصفوه بنسبة ما فعلوه من المعاصي والطغيان إليهم، ويُلْزموا ذلك نفوسهم، ويتوبوا إلى بارئهِم، ولعمري لَئِنْ كانت توبة عابدي العجل بقتلهم أنفسهم ليغفر الله لهم، وفرضنا أن فوق قتل النفس شيء - لوجب على هؤلاء؛ لعظم فريتهم على بارئهم التي ليست عبادة العجل إلا دونها في الجهالة، وأحد مفرداتها(١) الداخلة تحتها في الضلالة، والحكم لله العلي الكبير.
  الخامس: في ذكر ما يلزم المجبرة جميعاً: جهميهم وأشعريهم وباقلانيهم ونجاريهم وكُلابيهم وضِراريهم؛ لأنهم الجميع يجمعهم القول بخلق أفعال العباد، وإنما اختلفوا بعد ذلك في كيفية تعلق الفعل بالعبد، فهو خلاف في التفريع بعد الاتفاق على الأصل الذي فارقوا فيه جميع من عداهم من أهل الإسلام، وما علم ضرورة عند كافة الأنبياء والمرسلين ومن دان بدينهم ووافقهم في إيمانهم بالله تعالى وعدله وحكمته، وتنزيهه وتقديسه عن فعل الكفر والظلم والفسق والغشم وسائر المعاصي والإثم، وذلك سوى ما تقدم ذكره في عدة مواضع مما مر.
(١) يعني: أن عبادة العجل فرد من أفراد أفعال العباد، فالقول بأنها مخلوقة لله تعالى فيهم ومرادة له منهم فرية عليه تعالى خاصة داخلة تحت فرية عليه تعالى عامة لجميع أفعال الفساد من الكفر والفسق وسائر العصيان، فصارت نفس عبادة العجل من دون نسبة خلقها إلى الله تعالى في الخطأ دون القول بأن الله تعالى خلقها وأرادها منهم، وصارت مع القول بنسبة خلقها وإرادتها إلى الله تعالى فرداً واحداً من مفردات هذه الضلالة العامة لِجميع مفردات الكفر والفساد الكائنين من جميع العباد في جميع الأزمنة والبلاد، ولا يعلم كنه عد أجناسها وأنواعها وأعيانها إلا الله تعالى، فكان في كل عين منها فرية على الله تعالى تزيد على عبادة العجل في الخطأ والجهالة، وتنيف على العكوف عليه مع القول بالعدل في الخطأ والضلالة. (من خطه ¦).