الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 401 - الجزء 1

  إلزام: يقال لهم: قد اتفق كل مؤمن بالله ø من ملك ونبي وصالح وولي وعاص له تعالى وتقي أن الله سبحانه يقال له - وله الثناء الجميل والحمد الجزيل -: بيده الخير، ومنه الخير، وهو صاحب الخير. وعلى قول المجبرة المدبرة كافة أنه مع ذلك يقال له: بيده الشر، ومنه الشر، وهو صاحب الشر؛ لأن كل شر في الخارج ليس له فاعل سواه سبحانه، ولعلك تجدهم عند هذا إن امتنعوا من إجرائه وإمراره على ألسنتهم لما فيه من الفحش والإبلاغ في سبه ø لم يمتنعوا عن اعتقاده بقلوبهم؛ لأنه لا يسعهم إنكاره، كونه هو نفس مذهبهم وعين معتقدهم، وإنما نلزمهم إطلاق اللفظ. ولا يقال على هذا: إن الحكم للأغلب؛ فخرج قول كل مؤمن: بيده الخير ونحوه بناءً عليه، لأنا نقول: لا نسلم لكم أن الأغلب في الخارج هو الخير، فخرج ذلك الثناء عليه، بل الأغلب هو الشر؛ لأن الكفار والعصاة والظلمة والفساق أكثر وأكثر من المؤمنين الطائعين، ولأنا ألزمناهم أن يطلق عليه تعالى هذا مع هذا. ويقال لهم: أليس إن في أفعال العباد ما هو ظلم وما هو كذب وما هو سب لأنبيائه وأوليائه؟ فلا بد من بلى، فيقال: أليس اتفق أهل اللغة ولم يخالفهم في ذلك عاقل أن من فعل الظلم سمي ظالماً، ومن فعل الكذب سمي كاذباً، ومن فعل الفسق سمي فاسقاً؟ فلا بد من بلى، فيقال: لا فاعل لها عندكم كافة إلا الله تعالى؛ إذاً فهذه الأسماء الذميمة والأوصاف اللئيمة هو المراد بها، فإن أطلقت على غيره فمجاز؛ إذ الأصل الحقيقة، ولأن أهل اللغة وسائر العقلاء إنما أطلقوها على العبد الصادرة من جهته لاعتقادهم أنه هو الفاعل لها: فإما واعتقادهم صدق فهو الذي نريد، وإما كذب كذبت جميع النسب في القرآن وغيره في إسناد هذه الأفعال إلى الظلمة والكفار والكذابين والفساق، وصار من سمى الظالم ظالماً والفاسق فاسقاً كذاباً في تسميتهما ظالماً وفاسقاً ونحو ذلك، فلم يبق إلا القول بأن العبد هو الفاعل للظلم والكذب والكفر والفسوق، وإلا صار من سماهما