الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 405 - الجزء 1

  القسم الأول بذاته من أقسام العلاقة، وهو ما كانت علاقته السببية، إلا أنه خالف العبارة حيث قال في الأول: وجب حمل تلك الألفاظ على أنها مجازات عن السبب العادي، ثم فسره بقوله: أي: من صار الخ، وألزمناه على ذلك أن يصير الإنسان هو نفس الكسب، ثم قال هاهنا: أو أن الإسنادات مجازات لكون العبد سبباً لهذه الأفعال. فصرح أن العبد هو نفس السبب لهذه الأفعال، فكان هو نفس الكسب؛ لأن الكسب في معتقده عبارة عن السبب الذي عنده بمجرى العادة يخلق الله الفعل في العبد، وهذا أعجب من الأول، وكنت عند الاطلاع على أول الكلام أظن أن الإتيان بـ «مَنْ» إنما هو تصحيف من الناقل، وأن الأم حق المؤلف أتى فيها بـ «ما» التي لما لا يَعقِل؛ حيث إنها مراد بها الكسب الذي لا يَعقِل ولا يُعقَل، فلما مررت على آخر الكلام، وهو أنه جعل العبد سبباً لهذه الأفعال علمت أن ذلك ليس بتصحيف، وأنه يريد أن يفسر الكسب بالإنسان نفسه.

  ثالثاً: في تمثيله، لما جعل العلاقة السببية بقوله: كما في بنى الأمير المدينة، وإسناد الفعل إلى الآمر به وإن كان علاقته السببية لكنه هاهنا لا يصح التمثيل به؛ لأن إيجاد الكسب عندهم من العبد في تسبيب إيجاد الله تعالى الفعل في العبد ليس بمنزلة أمر الأمير؛ لأن السببية كلية يدخل تحتها أنواع وجزئيات متعددات مختلفات في نفسها، فلا يصح أن يمثل بواحد من تلك الجزئيات والأنواع المختلفات إلا لما وافقها، كما إذا قتل رجل آخر بأمر ثالث أسند القتل إلى الثالث، فالإسناد مجاز كما في بنى الأمير المدينة، وليس هذا بمنزلة الكسب وخلق الأفعال، ولا وزان لِهذه المسألة التي يريدون التوصل إليها بهذا التكلف الذي يُقضَى منه العجب، بل كان وزانه الذي يصح أن يمثل به لو كانت المسألة صحيحة أن يقال: كما في زرعَ زيدٌ أرضه، فإن الزارع حقيقة هو الله تعالى، وإنما أُسند إلى زيد لأنه فَعَلَ السبب، وهو الحراثة وإلقاء البذر، والموجد للزرع هو الله تعالى عند ذلك السبب، كما قال تعالى: {أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ ٦٣ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ