[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى
  والمخلوق قام القتل والخلق بهما، والقاتل والخالق لمن قام الفعل به لا من أوجده، فسمي المقتول قاتلاً والمخلوق خالقاً، وينكر الله تعالى أنه خالق؛ لقوله: لا من أوجده.
  هذا، وجميع ما رأيت أيها الطالب الرشاد في كلام هذا النحرير الذي لا يجد القوم له سابقاً، ولا يجوزون أن يوجد مثله لاحقاً، بعد أن كشفنا لك القناع عن تهافته وتناقضه واضطرابه ومخالفته القضايا الضرورية، والقواعد العربية النحوية والبيانية، والأوضاع اللغوية، والفروقات التحكمية، والأصول الكلامية، والإلزامات الجدلية، والمقالات الكفرية(١) - إذا التَفتَّ ثانياً إلى تعليله، وإلى ما هو الحامل له على القول به - وجدت العلة التي علل [بها] ما ارتكبه من هذه الجهالات عليلة، والمقالات التي فرعها عليها أجنبية عن البحث الذي هو بصدده دخيلة؛ لأنه صدر الجواب على المعتزلة(٢) في تمسكهم بالدليل السمعي من فاتحة الكتاب إلى خاتمته؛ لأن ذلك هو من قوله(٣): {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} لا من قوله: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ...} إلى {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ}، فاستدلال المعتزلة بأن تلك الإسنادات دليل على أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى، فأجاب عليهم بأنه لما ثبت بالأدلة السالفة أن الكل بقضاء الله تعالى وقدره وجب حمل تلك الألفاظ إلى آخره، وهذا من باب الاحتجاج على المعين الواضح بالمبهم الخافي؛ لأن خلق
(١) ينظر؛ فهذا مدح لا ذم.
(٢) وقد نبهناك في أول الكتاب أن عترة رسول الله ÷ هم أهل هذا القول، وإنما المعتزلة بعض من يوافقهم عليه، وأن هذا صنيع القوم لا ينقلون الخلاف إلا عن المعتزلة، لأنهم لو نقلوه عن آل محمد ÷ لكان ذلك منفراً للناس عن مقالاتهم، فصاروا لا يروون الخلاف إلا عن المعتزلة لينفروا الناس عن قولهم، ولكي يكتموا أنه من أقوال آل محمد ÷. (حاشية على الأصل).
(٣) بل من قوله: ﷽، الحمد لله، لأن الله تعالى أنزل الكتاب جميعه ليعلم الناس ويرشدهم كيف يقولون في الثناء عليه وحمده تعالى، فيكون التقدير قولوا: نبتدئ أو ابتداؤنا بذكر اسم الله، الحمد لله، لكن كأن السعد نسي الفاتحة أو لم يعتد بها قرآنا أو ضل تحقيقه عنها. (من خط المؤلف ¦ على هامش المسودة).