الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 408 - الجزء 1

  الأفعال أو عدم خلقها من الألفاظ الواضحات الجلية، والقضاء والقدر من الألفاظ التي تعبت الأفكار في إدراك معناها، وحسرت رواحل الأسفار عن مِدْراك مبناها، ولم يحظ بمعرفة ما يراد من هذين اللفظين مع اختلاف مواردهما: تارة بالنسبة إلى الله تعالى، وتارة إلى العبد المؤمن وأخرى إلى المجرم، وحيناً إثباتاً وآوِنَةً نفياً، وفي بعض المقامات يصلح هذا المعنى دون غيره، وفي بعضها يستويان، وفي بعضها يختلف الحال بين العالم والجاهل؛ فصار لفظ القضاء والقدر بالنسبة إلى خلق أفعال العباد كالجنس الأعم الأبعد العالي بالنسبة إلى الفصل الأخص الأقرب السافل، وحينئذ لا يصح الاحتجاج بذلك، ولا يحصل الإنتجاج⁣(⁣١) للمطلوب بما هنالك، لأنه يصير بمثابة قولك مشيراً إلى جسم بعيد عنك بحيث لا ترى إلا شبحه، ولا تعلم شيئاً من صفاته المميزة له عن سائر الأشباح - فتقول: هذا رجل؛. لأنه قد علم وثبت أنه جسم، فيقول المعترض: هب أنه جسم، فمن أين لك أنه حيوان، ثم ومن أين لك أنه إنسان، ثم ومن أين أنه ذكر؟ فكذلك ما سلكه هذا النحرير في استدلاله على أن أفعال العباد من الله تعالى، وإخراج الآيات الصريحات من فاتحة الكتاب إلى خاتمته بأنه قد ثبت أن ذلك بقضاء الله وقدره - لا يصح به الاحتجاج، ولا يحصل معه الإنتاج على القواعد المقررة لدى المناطقة؛ لأنا نقول له: هب أنها بقضاء الله وقدره، فإنا لا ننكر ذلك، ونؤكده بأن نقول: ومن أنكر ذلك فقد كفر، ولكنا لا نسلم لك أن الله تعالى خلقها وأرادها من العبد؛ لأنه لا يلزم من وجود الأعم - وهو القضاء والقدر - وجود الأخص، وهو الخلق والإرادة، ومَثيله لا يلزم من وجود الجسم وجود الإنسان، وإنما يلزم من وجود الأخص - وهو الخلق والإرادة - وجود الأعم وهو القضاء والقدر، ومثيله وإنما يلزم من وجود الإنسان وجود الجسم، فلا يصح إنكار وجود الجسم مهما قد وجد الإنسان، فهم


(١) الإنتاج. ظن.