الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 412 - الجزء 1

  أحول، فقال المجبري: أتضربه على الحول ولا فعل له فيه؟ قال: نعم، إذا كان الجميع من فعل الله فالحول والطرر سواء.

  وقال عدلي لمجبر: أليس الله تعالى يقول: {الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمْ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلاً}⁣[البقرة ٢٦٨]، فأخبرني: هل الوعد أن كلاهما من الله تعالى أو أحدهما من الشيطان؟ فانقطع المجبر!

  وقال عدلي لمجبر: هل تملك من أهلك ومالك شيئاً؟ قال: لا. قال: فكل الذي تملكه قد جعلته بيدي، قال: نعم. قال: اشهدوا أن نساءه طوالق، وأن عبيده أحرار، وماله صدقة للمساكين. فتحولت امرأته عنه، وسألت العلماء فأفتوا بوقوع جميع ذلك؛ فصارت قضية مضحكة!

  واجتمع أناس من المجبرة في موقف فقال أحدهم: إني قرأت البارحة آية من كتاب الله أوهمتني أن يوسف كان قدريًّا، وهي قوله: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}⁣[يونس ١٠٠]، فأجاب الثاني وقال: وأنا قرأت آية أوهمتني مثل ذلك في موسى، وأجاب الثالث وقال: وأيضاً فإن موسى لم يرض أن يدعي أن يملك نفسه حتى ادعى أنه يملك معه أخاه، وكان بالقرب منهم عدلي فقال لهم: أما ترضون بأنبياء الله يردون عليكم مذهبكم؟ فانقطعوا!

  ودخل أبو حنيفة يوماً مكتب الدَّرَسَة الصبيان فوجد فيهم الإمام علي بن موسى الرضا @، فأراد أن يمتحنه قبل أن يأخذ معتقده عن آبائه $، فقال له: ممن المعاصي؟ ففكر ذلك الصبي # يسيراً مطرقاً إلى الأرض بصره، ثم رفع رأسه وقال مخاطباً لأبي حنيفة: لا يخلو الحال من ثلاث: إما وهي من الله تعالى فهو أجل أن يعذب عبده على ما خلق فيه، أو من الله ومن العبد فالقوي أولى باللوم من الضعيف، أو من العبد فإليه يتوجه الأمر والنهي. فنظم بعضهم هذه الحادثة فقال: