إبطال شبهة المجبرة:
  لن تَخْلُ أفعالُنَا اللاتي نُذَمُّ بها ... إحدى ثلاثِ خلالٍ حين نُنْشِيْهَا
  إما تفرَّد بارينا بصنعتِها ... فيسقطُ اللومُ عَنَّا حينَ نَأتيْهَا
  أو كان يُشْرِكُنَا فيها فيلحقُهُ ... ما سوف يلحقُنَا من لائمٍ فيهَا
  أو لم يكن لإلهي في جنايتِها ... ذنب فما الذَّنْبُ إلا ذَنْبُ جانِيْهَا
  سيعلمون غداً عندَ الحسابِ لَهُمْ ... أَهُمْ بَرَوْهَا أمِ الرحمن باريْهَا
إبطال شبهة المجبرة:
  تتمة نذكر فيها بعضاً من شبه المجبرة التي يزعمون أنها أدلة صحيحة على أن الله تعالى خلق أفعال العباد.
  واعلم أن لهم شبهاً يستدلون بها، بعضها يجعلونها من جهة العقل، وبعضها يجعلونها من جهة السمع، والكل لا ثبوت له ولا صحة لشيء منه، وإنما هو من باب قوله تعالى: {شَيَاطِينَ الْإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا}[الأنعام ١١٢]؛ لأن العدل والجبر في طرفي نقيض، إذا ثبت أحدهما استحال ثبوت الآخر، وعلم يقيناً بطلان القول به، وبطلان كل قول يستدل به عليه، وقد علمنا قطعاً بالأدلة التي مرت وأثبتت مقدماتها على بدايه العقول وصرائح المنقول، واعتضدت أولاً بتلك الإلزامات التي يلزم معها الرجوع إلى العدل أو الكفر الصريح فيما يلزمها من قبيح القول، أو العناد المحض الذي هو عين مكابرة العقل، فهذا ما يقال على جميع شبههم على الجملة، سواء تصوروها وتوهموها واخترصوها من جهة العقل، أو أخذوها وحرروها وأثبتوها من ظاهر المتشابه من الآيات وصحيح النقل، ثم نأخذ في إبطال استدلالهم بكل من قسمي الأدلة العقلي والنقلي على حِدَته، بدلالة تخص كل واحد منهما على حدته، وتبطله بأسره على الجملة.
  فنقول: أما استدلالهم من جهة العقل مع قولهم بالجبر فلا معنى له، ولا يصح طلب الأدلة لمن رام تحصيله؛ لأنه من جملة أفعال العباد التي يخلقها الله في