الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 415 - الجزء 1

  رُجحان لإحدى الجنبتين ضل عن الدين أو استرشد، فبعداً لمن ذهب مذهباً يفضي بسالكه إلى هذا الحد، وسحقاً لاعتقاد لزمته هذه الجهالات وإليه تستند، وتعساً لقوم لا يتفطنون لما يلزم مذهبهم من هذه المحالات التي على مذهبهم تعتمد، وإني والله لا أظن الجبر إلا من دسائس أهل الإلحاد والتعطيل، التي طالما أعملوا الحيل وخادعوا بها المسلمين ومن قبلهم ممن آمن بالله رب العالمين.

  وبعد، فإن من قواعده أيضاً أن الله تعالى لا يقبح منه قبيح؛ لكونه غير منهي ولا مربوب، وحينئذ فلا يؤمن مع ذلك أن ينصب لهم الأدلة المفضية إلى إثبات الشيء على خلاف ما هو عليه في الواقع، فيؤدي إلى الدخول في السفسطة، وترتفع الثقة بما أدركته الحواس بالمشاهدة، وترتفع العلوم المعلومة بالضرورة، وماذا بعد هذا إلا تصويب الصبيان والمجانين وأهل الخلاعة، فهل يصح اعتقادٌ كانت هذه الضلالاتُ لازمَه؟ أم يحسن تعلم علم أسست على هذه الجهالات قوائمه، فهذا ما سنح إيراده على استدلالهم بالعقل إجمالاً، وهو عام لكل شبهة يحررونها لكل مسألة يثبتونها.

  وأما إبطال شبههم العقلية على التفصيل: فأعظمها ما عَوَّلَ عليه الرازي في مؤلفاته، وأَكْثَر إيراده في تفسيره، وهي أنهم قالوا: لو كان أحدنا فاعلاً لفعله لكان يفعله إما على وجه لا يتمكن معه على⁣(⁣١) الترك، وهو المطلوب، أو على وجه يتمكن معه من الترك، فصدور الفعل لا يترجح على الترك إلا لمرجح: إما من فعل العبد فيتسلسل، أو من فعل الله: فإما والفعل معه واجب، وهو المطلوب أيضاً، أو جائز احتاج إلى مُرَجِّح ويتسلسل، فلم يبق إلا أنه مجبر على الفعل.

  قلنا: المرجح من فعل العبد، وهو الإرادة، ولا نسلم لزوم التسلسل بأنها تحتاج إلى إرادة ترجح وجودها على عدمها؛ لأن الشيء لا يحتاج إلى ما هو من


(١) لعلها: من.