الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل:] في الكلام في أن أفعال العباد منهم لا من الله تعالى

صفحة 433 - الجزء 1

  الثمار واجتياحها ونحو ذلك بسبب كسب الذنوب، ثم قال معللاً حسن تلك النقائص والاجتياح: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}، وليكون فيه ارتداعهم وانزجارهم؛ ليتوبوا ويرجعوا إلى الله. ويصح في هذه الآية معنى آخر، وهو أن المراد بالفساد تغلب الظلمة وولاة الجور، وهو من جهتهم، وليس من الله تعالى إلا التمكين منه لا غير، مع أنه نهاهم عنه وزجرهم وتوعدهم على نفس الفساد، ثم علل التمكين للظلمة بقوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ}، وهم الرعية من المعاصي ومخالفة الأئمة الهادين؛ ليذيق الرعية بعض الذي عملوا، ولعلهم يرجعون إلى طاعة الله وطاعة ولاة الأمر المحقين، وهذا أمر حسن وتأديب من الله تعالى، وإليه الإشارة في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}⁣[الأنعام ١٢٩]، وقوله تعالى: {وَيُذِيقَ بَعْضَكُمْ بَأْسَ بَعْضٍ انظُرْ كَيْفَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَفْقَهُونَ}⁣[الأنعام ٦٥].

  قالوا: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}⁣[الأنفال ١٧]، فأخبر تعالى أنه هو الذي رمى.

  قلنا: المعنى: وما أصبت إذ رميت ولكن الله أصاب؛ بأن أوصل التراب الذي رمى به رسول الله ÷ إلى أعين الكفار؛ لأن القصة أنه ÷ أخذ حفنة من التراب فرمى بها وقال: «شاهت الوجوه» فتفرقت في الهواء بإذن الله، وبلغت إلى حد لا تبلغه رمية البشر في العادة، ووصلت إلى أعين المشركين، حتى روى في الكشاف: أنه لم يبق مشرك إلا اشتغل بعينه، وانهزموا وتبعهم المسلمون يقتلونهم ويأسرونهم؛ فلذلك قال تعالى: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ}⁣[الأنفال ١٧]، ولو أراد ما ذكره المخالف لتناقض معنى الآية، حيث يثبت الرمي للرسول ÷ وينسب إليه عين ما نفاه أولاً بقوله: {وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ}.

  قالوا: قال تعالى: {ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ}⁣[آل عمران ١٥٢].