الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

معنى الأعواض:

صفحة 437 - الجزء 1

  وعلم ذلك من دين كل نبي ضرورة، فَلَئِن ارتفعت مفسدة البغي في الأرض من حيث إنهم قد صاروا في دار الآخرة ملجئين إلى تركه ما ارتفعت هذه المفسدة التي هي أعظم منها، وهي استلزام تكذيب الرسل، ولأن إهانتهم بالعذاب والنكال مستحق لله تعالى بمقابل ما عصوه وجحدوه وكذبوا رسله، ومستحق لأوليائه بمقابل ما ظلموهم وجحدوهم ولاية الله، وقتلوهم وشردوهم وأخذوا أموالهم وأخرجوهم من ديارهم، فَلِئَنْ صح أن يسقط الله الحق الذي له ø فيما أساؤوا إليه - لكونه غنياً عن تعذيبهم - ما صح أن يسقط الحق الذي لأوليائه؛ لأن التناصف واجب عقلاً وإلا قدح في العدل والحكمة، فلو صح ذلك لاستوى الولي والعدو، والنبي والمتنبي، وقد قال تعالى: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}⁣[ص ٢٨]، وقال تعالى: {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٣٥ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦}⁣[القلم] وفي قوله: {مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} أكبر دليل على بطلان صحة أن يتفضل على الكفار والفساق بدخول الجنة، وإنما يصح أن يتفضل عليهم بما لا مفسدة فيه من منافع الدنيا، ونَدَبَ إلى الإحسان إليهم بما لا مفسدة فيه مما يقتضي تآلفهم واستجذاب قلوبهم إلى حب الإيمان، فقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}⁣[الممتحنة ٨].

معنى الأعواض:

  وثالثها: الأعواض، وهي المنافع المستحقة لا على وجه الإجلال والتعظيم، بل بمقابلة ما يقع من الآلام والأمراض والأسقام والغموم. ومثالها في الشاهد: أروش الجنايات، وسيأتي الكلام على ذلك مفصلاً في محله إن شاء الله تعالى.