الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الأدلة على أنه لا يجوز تعذيب من لا يستحق وإثابة من لا يستحق

صفحة 438 - الجزء 1

الأدلة على أنه لا يجوز تعذيب من لا يستحق وإثابة من لا يستحق

  إذا عرفت ذلك علمت أن إثابة من لا يستحق الثواب قبيح؛ لما ذكرنا من قبح تعظيم من لا يستحق التعظيم، واستلزام تكذيب الرسل فيما جاءوا به وعلم من دين كل نبي ضرورة، واستلزام عدم إنصاف أولياء الله تعالى من أعدائه، واستلزام التسوية بينهم. وأما الدلالة على بطلان القول بجواز العقاب لمن لا يستحق فلأَن فيه أيضاً التسوية بين الولي والعدو حيث صح أن يعذبه كما يعذب العدو، ولأن فيه عدم الانتصاف للمظلوم من ظالمه حيث صح إدخاله النار وتعذيبه معه.

  فإن قيل: يدفع هذا بأن يزاد في عقاب العدو والظالم.

  قلنا: وهذا لا يكفي في دفع ما يقدح في العدل والحكمة مهما كان ذو الأخف ممن لا يستحق؛ (لأن) ذلك (عقاب من لا ذنب له) وعقاب من لا ذنب له (ظلم) بلا ريب ولا شبهة، وإن نازع وكابر في ذلك الأشعري القدري أو غيره من كل مجبر مفتر في حد الظلم وحقيقته، فمِن قائل بأن⁣(⁣١) الظلم: هو التصرف في ملك الغير. وآخر: هو وضع الشيء في غير موضعه. وآخر أنه لا معقولية للظلم إلا فيما بين الناس في الشاهد. فكلها مصادمة لضرورة العقل فلا تُسمع.

  ويُبطل أقوالهم الجميع اتفاق العقلاء أنهم متى رأوا رجلاً يعمد إلى طفل يضربه أشد الضرب، ثم يقطع أوصاله ويكسر عظامه ويبين مفاصله، فإنهم كافة ملحدهم وموحدهم وأقصاهم وأبعدهم يبادرون إلى ذمه وإلى مدافعته عن ذلك الطفل، ويحكمون فيه بالجنون إن لم يكن عاقلاً، أو بفرط الظلم والجراءة إن ظهر لهم فيه أمارة عقل، قبل أن يلتفتوا هل هو مملوكه أم لا؟ وهل الفاعل منهي أم مربوب⁣(⁣٢) أم


(١) في (أ): أن.

(٢) في النسختين: منهياً أم مربوباَ.