الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الأدلة على أنه لا يجوز تعذيب من لا يستحق وإثابة من لا يستحق

صفحة 439 - الجزء 1

  لا؟ ومن دون نظر هل الطفل موضع لذلك الإضرار أم لا؟ على أن ما فعله هذا الرجل بالطفل لا نسبة له في الإضرار من التعذيب بالنار على سبيل الأبد، وعلى أن ما يفعله الرجل مع تجويز الجهل أو الحاجة من تشفٍ بعدوٍّ له يقرب إليه الطفل يكون في القبح دون ما لو صدر من عالم مستغنٍ عنه، فكيف بصدور ذلك عن أعلم العالمين، وأغنى المستغنيين عن القبيح، وأحكم الحاكمين في الفعل المليح؟! وأين منتهى قبح تعذيب أوليائه على سبيل الأبد؟ فما هو إلا ظلم ضرورة لا يسمع ما يقدح به فيها، كما هو المقرر في علم المعقول أنه لا سماع لما يقدح في الضروريات والبديهيات، وإلا ارتفعت الثقة بالمشاهدات، وبطلت الأدلة المنتهية إلى الضرورات والبديهات، وإذا كان تعذيب من لا يستحق التعذيب ظلماً (والظلم قبيح) بضرورة العقل وبديهته (و) جب القطع ببطلان هذه المقالة؛ لما قد علم في أول الباب واتفقت عليه عبارة الجميع من العدلية والجبرية، و (هو أنه تعالى لا يفعل القبيح) وهذا أصل ينبني عليه جميع مسائل العدل، ما سلف منها وما بقي، فتقرر بهذه الدلالة العقلية بطلان القول فيما يذهب إليه أهل الجبر من جواز تعذيب من لا يستحق وإثابة من لا يستحق.

  وأما الدلالة السمعية: فهي أيضاً متقررة معلومة؛ لأنه قد (قال تعالى: {فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ}⁣[العنكبوت ٤٠] وقال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى}⁣[الأنعام ١٦٤])، فنفى أن تحمل نفس مذنبة ذنب مذنبة أخرى، فكيف بالتي لا ذنب لها؟

  شبهتهم: أما من جهة العقل فقال القرشي في المنهاج: لا شبهة لهم من جهة العقل.

  قلت: بل لهم شبهة من جهته، وهو أنهم يقولون: مالك متصرف في مملوكه، فله أن يعذب هذا ويثيب هذا، ولأنه تعالى غير منهي أو غير مربوب أو نحو ذلك، ولعل مراد القرشي ¦ أنه لا شبهة لهم تخص هذه المسألة على