الأدلة على أن الله تعالى لا يقضي إلا بالحق
  قلت: أما عبارة الأساس فلا تفيد المدعى من جواز إطلاق القضاء والقدر بلا قيد، وإنما حكى الإمام # موضع الخلاف بيننا وبين المجبرة هل يجوز أن يقال: المعاصي بقضاء الله وقدره بمعنى خلقها أم لا؟ وأما الاستدلال بإطلاق اللفظ في الكتاب والسنة ففيه نظر؛ لأن ورود ذلك للامتحان والبلوى، وتعبد العلماء بالنظر والتدبر للمعاني والأسرار اللطيفة التي يزدادوا معها إيماناً، ولا كذلك إطلاق اللفظ من المكلف غير المعصوم أن العلة فيه تعريض نفسه للتهمة، بأن يحمله السامع على اعتقاد المعنى الفاسد، فأين أحدهما من الآخر؟ على أن بين الأصوليين خلافًا(١) هل يتأسى بأفعال الله تعالى أم لا؟ والأظهر المنع. وقد أشار الأمير # إلى الطرفين المذكورين، ونص على المقصد الأهم في الباب.
الأدلة على أن الله تعالى لا يقضي إلاّ بالحق
  فقال #: (فإن قيل لك) أيها الطالب الرشاد: (أربك يقضي بغير الحق؟) وغير الحق: هو كل باطل من كذب أو جور أو ظلم أو فساد، كفراً كان أو فسقاً أو غيرهما من سائر المعاصي (فقل: كلا، بل لا يقضي بالكفر والفساد) وهذا مذهب أهل العدل قاطبة، أعني أنه لا يقضي بالكفر ونحوه بمعنى يخلقه في العباد أو يريده منهم؛ (لِما في ذلك من مخالفة الحكمة والسداد) وهذا أحد الأدلة العقلية.
  ومنها: أنه لو صح أن يقضي بالكفر ونحوه بمعنى يخلقه لصح أن يأمر به؛ لأن الأمر بالقبيح دون فعله في القبح.
  ومنها: أنه لو صح أن يقضي بالكفر ونحوه من المعاني بمعنى يخلقه في العباد لكان معاقباً للكفار والعصاة بلا ذنب، وقد انعقد الإجماع وعُلِمَ من دين كل نبي ضرورة أنه إنما آخذ الله الكفار ونحوهم بذنوبهم.
(١) في النسختين: خلاف.