الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

دليل آخر إلزامي لا يجدون عنه انفصالا:

صفحة 449 - الجزء 1

  ومنها: أنه لو صح أن يقضي بالكفر بمعنى يخلقه لكان راضياً به، وقد انعقد الإجماع أنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر.

  وأما الأدلة السمعية: فقال تعالى: ({وَاللَّهُ يَقْضِي بِالْحَقِّ) وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَقْضُونَ بِشَيْءٍ}⁣[غافر ٢٠]، غير أنها إنما تدل على محط النزاع بالمفهوم؛ إذ لا خلاف أنه تعالى يقضي بالحق، وإنما النزاع هل يقضي مع ذلك بالباطل أم لا؟ فتقدير الآية عند العدلية: والله يقضي بالحق لا بالباطل، وتقديرها عند المجبرة: والله يقضي بالحق والباطل.

  قلنا: لو كان الأمر كما ذكرتم لناقض كثيراً من الآيات، نحو: {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، {والله لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}⁣[الإسراء ٣٨]، {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ}⁣[محمد ٢٨] [فأحبط أعمالهم]⁣(⁣١)، فإذا ثبت ذلك (فلا يجوز القول بأن المعاصي بقضاء الله تعالى بمعنى الخَلْق والأمر؛ لأنها باطل) وهذا واضح كما ترى.

دليل آخر إلزامي لا يجدون عنه انفصالاً:

  (و) هو مركب من السمع ومن العقل: أما من السمع: فمن جهة الإجماع في طرفين؛ (لأن إجماع المسلمين منعقد على أن الرضا) منا (بالمعاصي لا يجوز) لأحد من المكلفين وهذا هو الطرف الأول، (وإجماعهم) أيضاً (منعقد على أن الرضا بقضاء الله واجب) على كل مكلف، وهذا هو الطرف الثاني.

  وأما من العقل: فلأنه لو كانت المعاصي بقضاء الله تعالى بمعنى خَلْقِها وإرادتِها لتناقض الإجماعان المذكوران؛ لأن الأول نص أنه لا يجوز لنا أن نرضى بشيء من المعاصي، والثاني نص أنه يجب علينا الرضا بكل ما قضاه الله تعالى،


(١) ما بين المعقوفين في (ب) فقط.