الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

علم الله تعالى سابق غير سائق:

صفحة 450 - الجزء 1

  فيلزم منه أنه لو كانت المعاصي بقضاء الله بمعنى الخلق والإرادة لكان لا يخلو: إما أن يجب علينا الرضا بها فينقض الإجماع الأول، أو لا يجب علينا الرضا بها فينقض الإجماع الثاني، فيتناقض الإجماعان ويتدافعان، وكل ما أدى إلى التناقض والتدافع فهو باطل باتفاق العقلاء، (و) إذا كان الأمر كذلك عُلِمَ أن (لا مُخَلِّص إذاً) أصلها «إذ» الظرفية تضاف إلى الجمل، نحو: {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ}⁣[الأعراف ٨٦]، وقد تحذف الجملة بعدها فيعوض عنها التنوين، مثل: حينئذ، فتقدير الكلام ولا مُخَلِّص حين يلزم التناقض (من) لزوم (ذلك) التناقض بين الإجماعين المذكورين والقضيتين المعلومتين من الدين ضرورة (إلا بالقول بأن المعاصي ليست بقضاء الله تعالى بمعنى أنه خَلَقَها ولا أنه أَمَرَ بها) وأرادها حتى إنه يلزمنا الرضا بها، وإنما يلزمنا الرضا بما قضاه الله تعالى من أفعاله، وليست المعاصي من أفعاله كما مر في أفعال العباد، وهذا واضح لمن اتبع سبيل الرشاد، ونزه الله سبحانه وتعالى عن كل قبيح وفساد.

علم الله تعالى سابق غير سائق:

  وقد تشبَّثَ المخالفون بشبهة لا حجة فيها، وهي أنه سَبَقَ في علم الله تعالى أن العاصي يفعل المعصية؛ فلا بد أن يفعلها وإلا كشف عن الجهل في حقه تعالى.

  وأشار # إلى هذه الشبهة وجوابها بقوله: (وأما أنه عالم بها فهو تعالى عالم بها؛ لأنها من جملة المعلومات) وقد تقرر أنه تعالى عالم بكل المعلومات [ولكن] هذا لا يلزم منه أنه تعالى يفعل أفعال العباد أو يقضي بها أو يريدها أو يأمر بها؛ لأنا نقول: إن (عِلْمَهُ بها لم يَحْمِل العبد على فعلها، ولم يجبره على صنعها كما تقدم) في فصل أفعال العباد، وتقرر أنها منهم لا منه تعالى. يزيده وضوحاً أن الشبهة محررة ومفروضة على أنه سبق في علم الله تعالى أن العبد يفعل المعصية، لا أن الله يفعلها فيه، فلو قدر بعد ذلك أن الله يفعلها فيه كان خلاف المفروض الذي بنوا عليه الاستدلال، فيكشف عن الجهل؛ لأنه سبق في علم الله أن العبد