[معاني الضلال]
  وبمعنى: بَيَان ضَلال المُضِّل، {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ}[البقرة ٢٦]، أي: يبين به، أي: بضرب المثل السابق في الآية ضلال كثير وهداية كثير، ويستقيم أن يكون بمعنى يحكم به ويسمي كثيراً بالضلال لجحدهم وعنادهم، وكثيراً بالهدى لإنصافهم وانقيادهم. فيجوز أن يقال: إن الله تعالى يضل الظالمين بمعنى لا يزيدهم بصيرة وتنويراً، أو أنه يحكم عليهم بالضلال ويسميهم به، أو أنه يبين ضلالهم، أو أنه يعذبهم ويهلكهم. لا بمعنى يغويهم عن الدين، أو يخلق فيهم الضلال من الكفر أو الفسق، خلافاً للمجبرة.
  وقد تشبثوا في الهدى والضلال بظواهر آيات من المتشابه كقوله تعالى: {مَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ}[الأعراف ١٨٦]، {وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ}[الزمر ٣٧].
  قلنا: ليس في الآية ما يدل على المدعى، وهو خلق الكفر أو الفسق في المجرمين، أو الإيمان والطاعات في المؤمنين، وإِِنما في الآية ذكرُ ضَلالِ وهُدَى مُجملين غيرِ مبين المراد منهما، فتبقى في حيز المتشابه، ويجوز أن يكون المراد مَن يضلل الله: مَنْ يحكم عليه الله بالضلال أو يسميه به بسبب اجترامه، كما تقول: فلان يُفَسِّقُ فلاناً، أي: يحكم عليه بالفسق ويسميه فاسقاً، أوْ مَنْ يبين ضلاله، أو مَن يسلبه التنوير والهدى الزائد على ما يجب من البيان والدلالة، أَوْ مَنْ يعذبه ويعاقبه، فلا هادي له، أي: مَن يحكم له ويسميه بالهدى صادقاً فيما حكم له وسماه به، أْوَ فلا مبين له يبين هدايته، أَوْ فلا مثيب له، أَوْ فلا مُنور لبصيرته وموفق له، وعكس هذا في المؤمن الذي حَكم الله له بالهدى ونَوَّرَ بصيرته وَأثابه وَبَيَّنَ هدايته فما له من مضل يفعل به أضدادَ ذلك. ولنستكفي بذكر هذه الآية عما سواها؛ لأنها أعظم شبهة في هذا الباب.