الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

الأدلة على أن القدرية هم المجبرة:

صفحة 461 - الجزء 1

  مشائخ عصرنا التاركين لعلم الكلام، فقالوا: المراد بالقَدَرِيَّة هم الذين يقولون: بأن الأمر أُنُف، بمعنى أن الله لا يعلم الحادثات بعلم سابق، وإنما يعلمها بعلم مُسْتَأْنَف حادث عند⁣(⁣١) وجودها، وهذا تفسير عجيب وتأويل غريب، فإن القول بأن الأمر أُنُف وإن كان باطلاً وقادحاً في التوحيد فلا مناسبة، ولا يتأتى تأويل الأحاديث الواردة في ذم القدرية وتنزيلها عليه وعلى القائلين به، ولا تساعده اللغة ولا المعنى:

  سَهْمٌ أَصَابَ ورَامِيْه بِذِي سَلَمٍ ... مَنْ بالعراقِ لَقَدْ أَبْعَدْتَ مَرْمَاكَ

  وأين هذه المسألة من مسألة القَدَر؟ لأن هذه المسألة من مسائل التوحيد وصفات الذات، وهي أن الله تعالى عالم بكل المعلومات ومن جملتها ما سيكون، ومسألة القدر من مسائل العدل وصفات الأفعال، على أن الفريقين من العدلية والجبرية لا خلاف بينهم أن المراد بالقدرية أحد الفريقين، وهم أهل الأفهام وفرسان الكلام، فمثَلُهم مع هذا القائل كمثل خصمين يدعي كل منهما وقوع الجناية عليه من الآخر، فاعترضهما ثالث وقال: ليس بأحدكما⁣(⁣٢) جناية من الآخر، وإنما الجناية من فلان على فلان. فإن هذا كلام أجنبي لا سماع له؛ لتضمنه تبرئة الخصمين مع اتفاقهما على عدمها وعلى وقوع الجناية من أحدهما، ولتضمنه الدعوى من أجنبي على أجنبي لا دخل له في تلك الخصومة، ولا حضور منه في هذه الحكومة.

الأدلة على أن القدرية هم المجبرة:

  إذا عرفت ذلك فالذي يدل على أن القَدَرِيَّة هم المجبرة من أربع جهات:

  الجهة الأولى: من جهة الاشتقاق، وذلك أن هذه اللفظة - وهي قولهم:


(١) في (ب): حادث عند وجود سببها حادث عند وجودها.

(٢) في (ب): بأحدهما.