الأدلة على أن القدرية هم المجبرة:
  القَدَرِيَّة - مشتقة من القَدَر، والمجبرة يقولون في كل ما صدر عن الإنسان من كفر أو فسق أو غيرهما من سائر المعاصي: قُدِّرَ عليه؛ فيجب أن يطلق هذا الاسم عليهم؛ لقولهم بما هو مشتق منه، ونحن لا نقول بذلك؛ فلا يصح إطلاقه علينا.
  الجهة الثانية: اللغة، وذلك أن الأسماء في اللغة موضوعة لمن أثبت الشيء لا لمن نفاه، كالثنوية لمن قال بإله ثانٍ، والوثنية لمن قال بإلهية الأوثان، والطبائعية لمن قال بتأثير الطبع، واليهودية والنصرانية لمن دان بأيهما، ولا يطلق الاسم على من نفى الشيء؛ وإلا لزم أن يسمى جميع المسلمين ثنوية ووثنية وطبائعية ويهودية ونصرانية؛ لأنهم ينفون هذا كله. وبهذا يعرف بطلان ما تمسك به الجلال في حاشيته من أنه يكفي في النسبة أدنى ملابسة؛ فيقال للقائلين: بأن الأَمْرَ أُنُف قَدَرِيَّة لنفيهم القدر السابق، كما يقال: صِفَاتِيَّة لمن نفى الصفات الخ كلامه. ويلزم عليه ما ذكر أن يقال للمسلمين كافة: ثنوية ووثنية إلى غير ذلك مما ينفيه المسلمون، ويلزم عليه أن يقال لمن نفى التوحيد: مُوَحِّدٌ، ولمن نفى نبوة محمد ÷: مُحَمَّدِيٌّ، على أن ما ذكره من إطلاق الصفاتية على نفي الصفات لا يُسَلَّم، وإنما المتعارف بين المتكلمين أن الصفاتية أصحاب سليمان بن جرير القائلين: بأن صفات الله تعالى من كونه قادراً وعالماً وحياً ليست معان(١) قديمة كما تقوله المجبرة، ولا أمور زائدة كما تقوله البهشمية، ولا مزايا كما يقوله أبو الحسين، وإنما يقال لها: صفات لا توصف بشيء مما ذكر ولا غيره، فتسميتهم بالصفاتية لإثباتهم الصفات، لا لنفيهم وصفها كما توهمه، فتأمل.
  الجهة الثالثة: المناسبة للمعنى، وهو أنا ننظر مَنْ مذهبه المذموم فهو المستحق لهذا الاسم الذميم، ولا شك أن مذهب المجبرة هو المذهب المذموم والاعتقاد الملوم؛ حيث نسبوا كل قبيح في الخارج إلى أعدل العادلين وأحكم الحاكمين
(١) معاني. ظ.