الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[المراد بالقضاء والقدر خيره وشره]

صفحة 472 - الجزء 1

  الشافي، وغيره من أئمة الكلام على المذهب الصافي، أما قوله ÷ لمن سأله أي الأعمال أفضل؟ فقال: «إيمان بالله ورسوله»، قال: ثم ماذا؟ قال: «بر الوالدين»، قال: ثم ماذا؟ قال: «الصلاة المكتوبة ..»، إلى قوله: «وتؤمن بالقضاء والقدر خيره وشره»، أخرجه⁣(⁣١) - فالمراد بخير القضاء والقدر ما يلائم النفوس من صحة الأبدان، وصلاح الأولاد والأنعام، ونزول الأمطار، ونبات الثمار والأشجار، وسلامتها من الجوائح، ورخص الأسعار، ونحو ذلك مما تتخيره النفوس وتريده. والمراد بِشَرِّه أضداد ذلك، وهو ما ينافر النفوس من المرض والأسقام، وموت الأولاد والأنعام، وقحط الثمار، وشحة الأمطار، وغلاء الأسعار، ونزول الجوائح، ونحو ذلك مما تتضرر به النفوس وتكرهه، كما مر في معنى قوله تعالى: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}⁣[النساء ٧٨]، وفي معنى ذلك قوله تعالى: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً}⁣[الأنبياء ٣٥]، وقوله تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ}⁣[الروم ٤١]، وهو النقائص والآفات والجوائح {فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ٤١}⁣[الروم] فإنه لا يستقيم أن يُؤَوَّل الفساد هاهنا بالمعاصي؛ لأنه عَلَّلَ ظهور الفساد، بالمعاصي المشار إليها بقوله: {بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} فصار ما كسبت أيدي الناس سبباً لظهور الفساد، ومع كون المراد به النقائص ونحوها فهو حسن من جهته تعالى، ووجه حسنه ما ذكره بعد بقوله: {لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا}، أي: جزاء بعض ما عملوه من السيئات، والبعض الآخر مُؤَخَّرٌ إلى الآخرة؛ إذ لا يحسن إكمال عقاب المعاصي في الدنيا، ثم قال: {لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} عِلَّةً أخرى في حسن تلك النقائص ونحوها، وهو أن بسبب جدب الأمطار


(١) بياض في الأم. وقال في الهامش: معناه في مسلم إن لم يكن بلفظه. (كاتبه).