[فصل:] في الكلام في القضاء والقدر وغيرهما من المتشابه
  وغلاء الأسعار ونحو ذلك يكون التفات الخلق إلى خالقهم، واللجاء إليه والإنابة {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ٢٧}[الشورى ٢٧].
  وأما قوله ÷: «القضاء والقدر سر الله في أرضه فلا تفتشوه أو فلا تتعرضوا له» فإنما نهى ÷ عن ذلك لما في التفتيش والتعرض لمعرفة أسرار القضاء الخافية بالنظر إلى الجزئيات التي يخفى على الأفهام تعيين وجه الحكمة فيها على القطع، كمرض المؤمن والطفل، ومعافاة الكافر وغنائه، وغلبة الكفار والبغاة في بعض الأحوال على المؤمنين، وتضييق الأرزاق وتعسرها على بعض الخلق، وتوسيعها وتسهيلها على بعض، فإنه إذا أخذ العقل في معرفة الحكمة في كل فرد على التعيين كلت الأفهام، وتناقضت القضايا والأحكام، وسواء في ذلك العلماء والعوام، وإنما يجعل العلماء لها محامل كلية، وتوجيهات حكمية على سبيل الإجمال - لا على سبيل التفصيل بالنسبة إلى كل شخص وإلى كل حالة - بأن يقولوا: يحسن إنزال الألم ونحوه بالمؤمن والطفل لمصلحة يعلمها الله تعالى، أو لاعتبار المكلف، أو لتكفير سيئاته، أو لمجموع الجميع، ويحسن بالكافر تعجيل عقوبة، أو لاعتبار نفسه، أو لمصلحة يعلمها الله تعالى، أو لمجموع الجميع. والمراد بالقضاء والقدر في هذا الحديث وأمثاله المعنى الذي قضاه الله تعالى وقدره من الإحياء والإماتة، والصحة والسقم، ونحو ذلك، لا نفس لفظ القضاء والقدر، فليس المراد النهي عن التعرض لمعناهما اللغوي، ولِكَم يأتي كل منهما، وحمل ما ظهر في بعض الآيات عليه، فلا معنى للنهي عن ذلك إلا في نحو العوام، ومن يقول في ذلك بمجرد رأيه؛ إذ ما من أحد من العلماء غالباً إلا وقد تعرض وخاض في معرفة معناهما، والله أعلم.