الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

وجه وجوب التكليف الشرعي:

صفحة 475 - الجزء 1

  تركاً أن في فعله صلاح العالم، وسلامته من المهالك والمتالف؛ إذ لو ترك الناس وشأنهم مع ما فيهم من الشهوات الداعية إلى تناول المستلذات على أي وجه لكان يؤدي ذلك إلى تغلب بعضهم على بعض، وارتكاب المفاسد العقلية من الظلم والكذب وعدم رد الوديعة وقضاء الدين وشكر المنعم، ويَؤُول بهم ذلك إلى هلاك الضعيف على يد القوي، فيعود الأمر على الغرض المقصود من خلق العالم وعمارة الكون بالنقض والإبطال؛ فلزم وجوب التكليف بالعقليات، ودخل الحسن تحت الوجوب؛ لأن ما كان يعود على الغرض المقصود بالنقض والإبطال وجب الاحتراز عنه إلزاماً وقبولاً، فعلاً أو تركاً؛ ومن ثمة رَكَّب الله تعالى في عقول جميع العقلاء قبح الظلم والكذب، والاستخفاف بالمنعم، وجحد الوديعة، وعدم قضاء الدين، وحَسَّن أضداد هذه، وهي العدل والإنصاف، والشكر للمنعم، ورد الوديعة، وقضاء الدين، وأوجب في عقل كل مكلف، وكلف جميع العقلاء ترك هذه وفعل هذه، ولم يوقف علمهم بذلك على مجيء الرسل إليهم، بل جعل ذلك أمراً عقلياً مركوزاً في عقل كل من بلغ حد البلوغ الشرعي، بل يدركه الأكثر من حال التمييز، وإن جاءت الرسل بالأمر أو النهي عن شيء منها فإنما هو على جهة تأكيد الحجة العقلية، ورفع توهم عدم المؤاخذة لمن فعل ما يقبح أو أخل بما يجب من ذلك، وهذا واضح لمن تأمله، وبالله التوفيق.

وجه وجوب التكليف الشرعي:

  ووجه وجوب التكليف الشرعي أن به يحصل استيداء شكر المنعم وتوقي كفر نِعَمه والاستخفاف به. أو لأن فيها ألطافا⁣(⁣١) في أداء تلك الواجبات العقلية؛ فوجب على الجملة إرسال الرسل وقبول ما جاؤوا به، وإلا أدى ذلك إلى استحقاق النقمة والهلاك بارتكابهم كفر النعمة وإخلالهم بشكرها، فوجب على الحكيم إرسال


(١) أي: الشرائع.