[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يكلف أحدا ما لا يطيق،
  وبهذا يعلم صحة ما أشار إليه الإمام # من قوله: ووجه حسنه كونه عَرْضاً على الخير. وإذا تأملت جميع ما ذكرنا في التكليف العقلي والشرعي علمت بعد ذلك أن الله تعالى محسن إلينا ومنعم علينا بالتكليف جميعه، وأن وجه الإحسان في ذلك ثابت بالنسبة إلى كل من المؤمن والكافر على سواء؛ لأن الوجوه المذكورة لا فرق فيها بين مؤمن وبين فاجر، ولا بين شاكر وبين كافر، فإذا كفر الكافر وفسق الفاجر بعد انبرام التكليف في حقهما على وجه الصحة، بل على سبيل الإحسان إليهما والوجوب في حقهما كما ثبت في غيرهما - فإنما أُتيا بعد ذلك من جهة أنفسهما؛ فلا يلزم قبح تكليف من المعلوم من حاله أنه يكفر أو يعصي، كما لا يلزم قبح المطالبة بالدين والوديعة من المعلوم من حاله أنه يجحدهما ويمطلهما، فإن الطلب حسن ونعمة؛ لما فيه من براءة الذمة واستحقاق الثواب، وإن فرضنا أنه يؤول بالمطالَب إلى الحبس أو القيد أو الهلاك؛ فثبت حسن التكليف ووجوبه. يزيده وضوحاً ما قاله بعض المتأخرين ¦: إن التكليف كالتوظيف وزناً ومعنىً، وجناساً ومبنى، فكما أن التوظيفَ الذي فيه نفع زائد على مشقة ما وظف به حسنٌ ونعمةٌ من المُوظِّف إلى المُوَظَّف، سيما إذا ضاعف له الأجرة على ما يستحق بمجرى العادة - فكذلك التكليف، بل هو أبلغ وأدخل في الحسن والإنعام؛ لأن فيه جلب نفع ودفع ضرر ما لا حصر لهما، وإذا حسن من الناس طلب الوظائف والتوصل إليها بشفاعة أهل الوجاهة لدى الملوك، ويبذلون الأموال والرُّشَا لمن سعى لهم فيها، ويكثرون الثناء والمدح له، ويعدون ذلك نعمة من الملك والساعي - فهلا حسن الابتداء بالتكليف من مالك الملوك، الذي أوجب التكليف على نفسه رعاية لمصلحة عبده مع غناه عن العبد وتكليفه، وهلا حسن الثناء والمدح والإعظام لهذا الملك وللمبلغ عنه بلا أجرة ولا رشوة، ومن هنا يعلم أن نعمة التكليف من المكلِّف الحكيم ومِنَّة المُبَلِّغ وهو الرسول الكريم ثابتتان وعامتان ومنوطتان بعنق كل مكلَّف، قَبِلَ التكليف أو ردَّه، أحسن العمل