[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات
  ضمير. وما ذكر في حد الكراهة فيه خفاء؛ لأنه لم يؤت فيه بماهية الكراهة وجنسها، وإنما قال: هي ضد المحبة، والضدان يرتفعان بثالث كالسواد والبياض والحمرة، فلو حد السواد بأنه ضد البياض لتردد الحد بين السواد والحمرة وغيرهما من سائر الألوان، فلو قال قائل: فتحد الكراهة بأنها نقيض الإرادة أو نقيض المحبة لم يصح أيضاً؛ لأن الإرادة والكراهة ضدان وليسا نقيضين؛ لأن النقيضين لا يرتفعان بثالث، والإرادة والكراهة يرتفعان بأن لا يكون الحي مريداً لشيء ولا كارهاً له؛ فقد عرفت ما يرد على دعوى معرفة حد الإرادة والكراهة بالنسبة للمخلوق الذي حوتهما نفسه، فكيف بدعوى معرفة كنه ذلك بالنسبة إلى الخالق الذي حارت الأفهام وعجزت عن إدراك كُنْهِه تعالى؟!
  فإن قلت: فما تقول في حَدِّهما؟
  قلت: الأظهر أنهما لا يحدان؛ إما لخفاء جنسهما وفصلهما، وإما لأنهما من الأمور المعلومة عند النفس بالضرورة، كالجوع والشبع، والعطش والري، والسواد والبياض، وغير ذلك من المعلومات والمدركات بالضرورة من دون افتقارها إلى الحدود.
  إذا عرفت ذلك فلا خلاف بين كل من أثبت الصانع المختار من المسلمين والكتابيين والبراهمة وبعض عباد الأصنام وغيرهم أن الله تعالى مريد وكاره، وهي المسألة الفارقة بيننا وبين الفلاسفة والطبائعية وكل من نفى عن الله الاختيار.
  وهي معلومة من السمع ضرورة، كقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ} {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا}[يس ٨٢]، {إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}[النحل ٤٠]، وقوله تعالى: {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا} {وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعَاثَهُمْ}[التوبة ٤٦]، فيكفر من أنكر كونه ø مريداً وكارهاً؛ لرده ما علم من الدين ضرورة.