مذهب المجبرة في الإرادة والكراهة والرد عليهم:
  تعالى الصلاح منها والفساد ذهبوا إلى القول بموجب ذلك، فزعموا أنه تعالى يريد جميع الواقعات والكائنات طاعة كانت أو معصية، ويكره جميع ما لم يكن ولم يقع طاعة كانت أو معصية، فيتحقق موضع الاتفاق وموضع الاختلاف بيننا وبينهم باعتبار أربعة أطراف:
  ما وقع من الطاعات فمتفق أنه تعالى يريده ولا يكرهه.
  وما لم يقع من المعاصي فمتفق على أنه تعالى لا يريده بل يكرهه.
  وما لم يقع من الطاعات ممن أمره بها فعندنا يريده، وعندهم بالعكس لا يريده.
  وما وقع من المعاصي فعندنا أنه تعالى لا يريده بل يكرهه، وعندهم بالعكس يريده ولا يكرهه.
  فصار النزاع في طرفين: المعاصي الواقعة والطاعات التي لم تقع (فـ) الذي يدل على أنه تعالى يكره المعاصي الواقعة وأنه (لا يريد الظلم، ولا يرضى الكفر، ولا يحب الفساد) وصدر(١) # هذه الجملة على الاستدلال العقلي ليفيد أن ما ذهبنا إليه هو ما صرحت به الآيات الكريمة من قوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَاد}، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ}، والمراد ما يَؤول بكم إلى اليسر وهو الطاعات، وما يؤول بكم إلى العسر وهو المعاصي؛ لأن الطاعات والمعاصي لا يصح أن يكونا هما المرادان من اليسر والعسر، بل ما يتسبب منهما من الثواب والعقاب، فالله يريد ما يسبب لنا اليسر وهو الطاعات، ولا يريد ما يسبب علينا العسر وهو المعاصي وقال تعالى بعد تعداده كثيراً من المعاصي {كُلُّ ذَلِكَ كَانَ سَيِّئُهُ عِنْدَ رَبِّكَ مَكْرُوهًا}، فنص تعالى أن كل المعاصي مكروهة عنده تعالى، ولم
(١) أي: قدم المؤلف # قوله: «لا يريد الظلم ولا يرضى الكفر ولا يحب الفساد» على الاستدلال العقلي، وهو قوله: «لأن ذلك كله يرجع إلخ» ليفيد ... الخ.