الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 491 - الجزء 1

  يقل: مكروهاً منها ما لم يقع، محبوباً ما وقع، كما هو مقتضى مذهب الخصم، وأبلغ في الدلالة على طرفي الاختلاف قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمْ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ ٢٧ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ...}⁣[محمد]، فصرح تعالى بأنه يسخط ما فعلوه واتبعوه، وأنه لا يرضى ما كرهوه وتركوه من الطاعات التي أمرهم بها، وسماها {رِضْوَانَهُ} مبالغة في إرادتها وعدم كراهيتها؛ لأنها تؤدي إلى رضوانه وإثابته، ثم أكده بقوله: {فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}، ولو كان يريدها منهم لما أحبطها عليهم، بل كانوا من⁣(⁣١) حقهم أن يجازيهم عليها بالثواب؛ لأن من أراد من غيره فعلاً ثم فعله المراد منه استحق المكافأة بالثواب لا بالعقاب. وإنما قلنا: إن هذه الآية أبلغ في الدلالة من التي قبلها لأن الأولى ذكر فيها أنه تعالى يكره المعاصي، ولم يذكر فيها أنه يريد ما لم يقع من الطاعات، لكن ذلك مفهوم من لازم الخطاب مع ما ذكر في أول الآيات {وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاه} الخ الآيات، والثانية ذكر فيها الطرفين معاً بالمنطوق والصراحة. قال شيخنا ¦ في حاشيته: المجبرة في هذه المسألة يكابرون القرآن؛ لأن دلالة هذه الآيات واضحة.

  ثم أخذ # في الدلالة العقلية فقال: (لأن ذلك) كله من إرادة الظلم والكفر والفساد والكذب وسائر المعاصي (كله يرجع إلى إرادة القبيح، وإرادة القبيح قبيحة) لأن الإرادة والكراهة من الصفات التي لا يدخلها الحسن والقبح لذاتها، وإنما يدخلها الحسن وتكون حسنة باعتبار حسن ما تعلقت به، ويدخلها القبح وتكون قبيحة باعتبار قبح ما تعلقت به، فإرادة الحسن من العدل والإحسان والصدقة وجميع الطاعات حسنة من الفاعل لذلك ومن غيره، كإرادتنا وإرادة الله تعالى ما فعله الغير من الخير، وإرادة القبيح من الجور


(١) في (أ): بل كان من حقها أن ... الخ.