الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 492 - الجزء 1

  والإساءة والكذب وجميع المعاصي قبيحة من ذلك الفاعل ومن غيره، كأن يريد الكفار والفجار ما صدر من المعاصي من إخوانهم الأشرار (والله تعالى لا يفعل القبيح) كما مر تقريره في أول الباب، وهو متفق على القول به، لكن زعم الخصوم أن ما فعله الله تعالى في الخلق من خلق المعاصي وإرادتها لا يقبح منه، وهي مباهتة ومناقضة للمعنى؛ إذ لم يبق تحت قولهم: «لا يفعل القبيح» معنى أرادوا أن ينزهوا الله عنه بعد إضافتهم إليه كل ظلم وكذب وكفر وفسق في الخارج، تعالى الله عن ذلك، (ألا ترى أنه لو أخبرنا مُخْبِرٌ ظاهر العدالة أنه يريد الزِّنا) أو يريد قتل الأنبياء والمؤمنين، أو شرب الخمر، أو غير ذلك من المعاصي (سقطت عدالته ونزلت منزلته عند جميع العقلاء، ولا علة لذلك إلا أنه أتى قبيحاً، وهو إرادة القبيح)؛ لأن مريد القبيح وفاعله سواء. وأُدخل رجل من المعتزلة على الأمير محمد بن سليمان يريد قتله، فأمر بضرب عنقه، فضحك، فقيل له: لم تضحك؟ فقال: أرأيت لو أن رجلاً قام في السوق فقال: إن محمد بن سليمان يريد الفواحش والظلم وكل قبيح، فقام إليه رجل آخر فقال: كذبت، بل لا يريد إلا كل حسن، أيهما أحب إليك؟ قال: من دفع عني، قال: وأنا لا أبالي إذا أحسنت الثناء على الله تعالى. فَبُهِتَ ومَنْ حوله من المجبرة وخلى سبيله.

  قال عدلي لمجبر: ما تقول فيمن قال: إن كل ما كان في أيام النبي ÷ من الكفر والفسق فهو يريده ويحبه؟ فقال: يُقتل بسبه النبي ÷، قال: فإن قال ذلك في أبي بكر وعمر؟ فقال: يجلد لطعنه في الصحابة، قال: فإن قال ذلك في الله تعالى؟ فسكت وانقطع.

  وعلى الجملة فلا يرتاب العاقل في أن إرادة القبيح قبيحة؛ فيجب تنزيه الله تعالى عن ذلك، (وقد قال تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ}، {وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}، وقال تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَاد}) وغير ذلك من آي القرآن كثير، وقد مر ذكر بعض منها. ويزيده وضوحاً قوله تعالى إخباراً عما