الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 493 - الجزء 1

  سيقوله المشركون في المستقبل: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}⁣[الأنعام ١٤٨]، ثم لما قالوا ذلك أنزل فيهم قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}⁣[النحل ٣٥]، فنص سبحانه وتعالى وحكى عن المشركين ما هو صريح مذهب المجبرة وحقيقته، وهو أن الله تعالى يشاء شركهم وعبادة الأصنام والأوثان، وتحريم ما حرموه من الوصيلة والسائبة والحام وما تضمنته بطون بعض الأنعام وغير ذلك مما لم يحرم في شريعة الإسلام، ثم أبطله وبين بطلان أنه يريده من عشرة وجوه:

  أحدها: كونه تعالى حكى هذا الاعتقاد عن المشركين، وما حكاه عن المشركين وجب القضاء ببطلانه.

  ثانيها: أنه حكاه عنهم على سبيل الإنكار ونعيه عليهم وتقبيحه منهم، وما حكي على هذا الوجه فلا مرية في بطلانه.

  ثالثها: أنه تعالى كذبهم بقوله: {كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ} حيث شبه كذب أو تكذيب من قبلهم بكذبهم أو تكذيبهم، ومن كذبه الله تعالى كان كاذباً ومن وافقه على مضمون الجملة المخبر بها، وقد وافقهم المجبرة على مضمون ما قالوه من أن الله تعالى شاء شركهم ونحوه، فيجب أن يتناولهم تكذيب الله تعالى للمشركين؛ لمشاركتهم إياهم فيما حكى فيه أنه كذب، وهو مشيئتة تعالى شركهم ونحوه.

  لا يقال: لم يشاركوهم في التحريم فلا يصح القياس؛ لأنه جزء العلة.

  لأنا نقول: المراد الإخبار في الآية عما صدر من القبح والكذب من المشركين في