الكاشف الأمين عن جواهر العقد الثمين،

محمد بن يحيى مداعس (المتوفى: 1351 هـ)

[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات

صفحة 494 - الجزء 1

  اعتقادهم في المشيئة، وقد شاركهم المجبرة في ذلك، وإن انفرد المشركون بذنب آخر أدمج تحت الحكم المذكور فلا يقدح، كما أن قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا ٦٨ يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا ٦٩}⁣[الفرقان] لا يقدح العطف بقوله: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} {وَلَا يَزْنُونَ} في دلالة الآية على خلود من يدعو مع الله إلهاً آخر في النار إن لم يفعل القتل والزنا.

  وبعد، فإن التحريم الذين حرمه المشركون هو عند المجبرة من الله تعالى، والله فاعله ومريده، فقد وافقوهم في زعمهم أن الله تعالى حرم ما حرموا، غايته أن المشركين موافق تحريمهم لتحريم الله تعالى، وعدم تحريم المجبرة لذلك مخالفة ومشاققة لله تعالى، فيكونون بذلك العذر كالمستجير من الرمضاء بالنار.

  رابعها: قوله تعالى: {حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا} فأخبر أنه تعالى أذاقهم البأس، وأشار بـ «حتى» إلى أن ذلك الاعتقاد هو العلة الموجبة للإذاقة.

  خامسها: أنه تعالى أمر الرسول ÷ بمناظرتهم ومحاججتهم بطلب البرهان على ذلك بقوله: {قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا}، وهذا لا يقال إلا لمن هو مبطل وكاذب في دعواه.

  سادسها: قوله تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ}، فأخبر أن ليس عندهم علم بذلك، وإنما هو مجرد توهم وظن، وما كان على هذا المنوال فيما يتعلق بأصول الديانات والعقائد فهو باطل لا يجوز الاعتماد عليه.

  سابعها: قوله تعالى: {وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ}، أي: تفترون الكذب؛ لأن الخرص هو الافتراء، ومنه قوله تعالى: {قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ}⁣[الذاريات ١٠]، وإن كان ليس إلا مجرد الكذب - وهو عدم المطابقة ولم يتعمد افتراءه - فهو في العقائد المتعلقة بأصول الدين باطل مذموم كالافتراء، وإلا أدى إلى عدم تخطية من