[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات
  أوقعته الشبهات في نفي الصانع والنبوة والمعاد ونحو ذلك.
  ثامنها: قوله تعالى في الآية الأخيرة: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ}، فأخبر تعالى أن الرسل قد بلغت إليهم وحذرتهم هذا الاعتقاد الخبيث، فيجب أن يكون باطلاً؛ لأن ذلك لا يقال لمن هو محق فيما هو عليه.
  تاسعها: ما تضمنه قوله: {فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ} من التهديد والوعيد، كما في قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا إن عليك إلا البلاغ}[الشورى ٤٨].
  عاشرها: أنه تعالى أسند إليهم جميع ما ذكر في الآيتين الكريمتين من القول والتحريم والإخراج والكذب والخرص، وأسند إلى الرسل À البلاغ، وإلى نبينا محمد ÷ القول، وأمره بمحاججتهم، فأي بيان بعد هذا البيان؟ وأي برهان فوق هذا البرهان لولا عمى بصائر المجبرة القدرية؟ قاتلهم الله عن تدبر آيات الله، وعدم الاستماع منهم لما يقرره ويدين به عترة رسول الله ÷، قرناءُ الكتاب، وحملة الحكمة وفصل الخطاب، وأُمَان هذه الأمة من نزول العذاب.
  وقد تأول المخالفون هاتين الآيتين الكريمتين بهذيان لا ينبغي الالتفات إليه إلا على وجه البيان لبطلانه والبرهان على هذيانه، فاسمع واعجب، ومهما عشت أراك الدهر العجب، قال أحمد في حاشيته على الكشاف: إن قول المشركين: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا} صادر منهم على جهة النفاق وإظهار موافقة المحقين في هذا الاعتقاد، وأن قلوبهم وعقائدهم منطوية على خلافه الذي هو معتقد المعتزلة، فتكذيب الله تعالى إياهم وما ذكر معه من الإذاقة ونحوها راجع إلى ما اعتقدوه وأضمروه، لا إلى ما قالوه نفاقاً وأظهروه، وأن ذلك مثل قوله تعالى: {إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ