[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات
  وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ}[المنافقون ١]، فقولهم: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} حق وصدق مطابق للواقع، ولكنه لما لم يصدر منهم عن اعتقاد موجبه كذبهم الله في هذا القول، ولو صدر عنهم على وجه الاعتقاد لنبوته ÷ لما كذبهم، بل كان يصدقهم.
  والجواب: أن يقال له: هب أن الأمر كما ذكرت، فَلِمَ لا يصدق الله القول ويبين أنهم إنما قالوا ذلك نفاقاً ورياءً وإظهاراً لموافقة المحقين؟ كما في آية المنافقين، حيث قال تعالى بعد حكايته عن المنافقين: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ}، ثم أتى بالجملة الثالثة بتكذيبهم فيما أظهروه من القول: {إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وفي قولهم: «نشهد» وفي اعتقادهم خلاف ذلك؛ لأنه تعالى حكى في الجملة الأولى مقال المنافقين، ثم أردفها بالجملة الثانية مؤكدة بـ «أن» واللام مبادرة إلى تقريب مقتضى اللفظ، ثم أتى بالثالثة مؤكدة بـ «أن» واللام، وحذف متعلق الكذب ليشمل الثلاثة الأطراف المذكورة وغيرها، ولو حذفت الجملة المتوسطة لاقتضى الكلام خلاف المعلوم من نبوته ÷؛ لأنه يلزم تكذيبهم أنه رسول الله، وتصديقهم فيما اعتقدوه من نفي نبوته، ولما سجل عليهم بالنفاق وسماهم به، ولا كذلك ذكر في آيتي المشيئة المذكورتين، بل فيهما ما يدل على أن الكلام مسوق ومحكي عنهم على حسب ظاهره، كما يعلم من العشرة الأوجه المذكورة أو بعضها، مع أن البيان والتأكيد فيهما لو كان الأمر كما ذكره المخالف أحوج منهما في آيات المنافقين؛ لأن نبوته ÷ معلومة من الدين ضرورة، وكونهم إنما قالوا ذلك نفاقاً وكذباً قد علم من تسميتهم منافقين، لكن أتى بالجملة المتوسطة والتأكيدات البالغة لئلا يكون لأهل الزيغ طريق إلى القدح في القرآن، فكان بيان معتقد المشركين لو لم يكن ما يفيده ظاهر آيتي المشيئة وتكذيبهم في إظهارهم خلاف ما اعتقدوه من الحق، وتصديق ما يعطيه