[فصل]: في الكلام في أن الله تعالى لا يريد شيئا من المعاصي ولا يكره شيئا من الطاعات
  اللفظ أنه تعالى يشاء شركهم أولى وأحوج بالبيان والتصديق، سيما فيما يوهم ترك البيان الخطأ، وهذا واضح فتأمل.
  وبعد، فأي غرض للمشركين في إظهار هذا القول رياءً ونفاقاً وقد كانوا أعظم الناس مخالفة للرسول ÷ جدالاً وشقاقاً؟ وكانوا يجاهرونه بالكفر صراحاً، والمحاربة والمعاندة غدواً وصباحاً، بخلاف المنافقين، فقد كانوا يظهرون الإسلام وينافقون بالتظاهر أنهم يدينون بنبوة سيد الأنام، فكشف الله تعالى منطوى قلوبهم من التكذيب بالنبوة والرسالة؛ لئلا يغتر بهم من ليس له بدغلهم اختبار.
  وبعد، فلو كان الأمر كما ذكرت لتناقضت آيات الكتاب العزيز؛ لأن ما قدمناه من الآيات صرائح في أنه تعالى يكره المعاصي، ولا يحتمل التأويل في شيء منها.
  وبعد، فلو كان الأمر كما ذكرت وذهبت إليه من أن الله تعالى يشاء شرك المشركين وتحريمهم ما حرموا لرفع قضية العقل أن إرادة القبيح قبيحة، أو للزم الحكم بحسن الشرك وتحريم ما لم يحرمه الله تعالى، وكل قول يؤدي إلى رفع قضية العقل أو تحسين الشرك وتحريم ما لم يحرمه الله تعالى فلا شك في بطلانه، فكيف يجوز حمل الآيات الكريمة عليه؟ إذا لكانت هزواً ولعباً ولغواً وكذباً!
  وبعد، فلو كان الأمر كما ذكرت لما ساغ مجيء الآية على وجه النقيض للمعنى الحق من غير بيان؛ لأن ذلك إلغاز وتعمية، والله يتعالى عن ذلك.
  فإن قيل: وردت على ذلك الوجه ولم يذكر فيها ما يدل على البيان ليلحق بالمتشابه، ووروده جائز للامتحان والابتلاء.
  قلنا: إذاً فقد سقط التأويل المدعى؛ لأن عند الخصم أن المتشابه لا يعلم تأويله إلا الله دون الراسخين، فلا يصح لهم تأويل تلك الآيتين بما ذكروه، فأما أن يأخذوا بظاهرهما فهو ما ذهبنا إليه، وأما أن لا فقد ألغوهما وأخلوهما عن معنى يقصد من الخطاب، فيلحقهما ذلك بالهذر، ويكونان هزواً ولعباً!