شبهتهم من العقل:
شبهتهم من العقل:
  قالوا: لو أراد الله تعالى من الكافر الإيمان ومن الفاسق الطاعات، ثم صدر منهما خلاف مراده تعالى - لكان ذلك تعجيزاً له تعالى؟
  والجواب: إنما يكون ذلك تعجيزاً له تعالى حيث أراد منهم ذلك على جهة القسر لهم والمغالبة وإجبارهم على ذلك، فأما إذا أراد ذلك منهم على وجه الاختيار منهم، وترك قسره لهم وإجبارهم عليه - فلا يكون تعجيزاً.
  قالوا: لو أراد الله تعالى ما لا يكون من الطاعات والإيمان لكان ذلك تمنياً، والله تعالى منزه عن ذلك.
  قلنا: ومن أين لكم أن إرادة ما لا يكون تمنٍ؟ أليس أن التمني من قبيل الكلام المَقْرُون بـ «ِلَيْتَ»، حتى لو لم يكن ثمة كلام مقرون بها لم يكن تمنياً، كما أنه إذا لم يكن كلامٌ مقروناً بحرف القسم لم يكن قسماً، والإرادة من أفعال القلوب، فإذا وقع تمن لشيء لزم إرادته، ولا عكس.
  وبعد، فإن عندكم أن إرادة الله تعالى قديمة في جميع ما تعلقت به، فإذا كان الله تعالى يريد الواقعات في الأزل فهو متمن لها، فما أجبتم به فهو جوابنا.
  وبعد، فإن التمني لا يكون إلا فيما فيه نفع أو دفع ضرر عن المتمني، والله تعالى منزه عن ذلك، فلا تكون إرادته ما لم يقع من الطاعات والإيمان تمنياً؛ لاختلال أحد أجزاء ماهية التمني أو شرطه.
  وبعد، فإن التمني إنما يكون فيما يتعذر أو يتعسر حصوله، فأما ما كان من المقدورات القريبة الانتوال بلا مانع ولا مشقة فلا يصح تمنيها، سيما ممن هو أقدر عليها من غيره وهو على كل شيء قدير، فإذا لم يفعلها دل على غنائه عنها، وإذا أمر بها دل الأمر على أنه يريدها من دون أن يكون متمنياً لها.
  قالوا: وقوع ما علم الله أنه لا يكون مستحيل، والله تعالى لا يريد المستحيل.